للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَايِينِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَجِدُ فَيُعْرِضُ عَنْهُمْ حَيَاءً مِنْهُمْ وَيُمْسِكُ عَنِ الْقَوْلِ، فَنَزَلَ (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) ، وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ أَنْ تُؤْتِيَهُمْ، {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} [الإسراء: ٢٨] انْتِظَارَ رِزْقٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُوهُ أَنْ يَأْتِيَكَ، {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: ٢٨] لَيِّنًا وَهِيَ الْعِدَةُ، أَيْ: عِدْهُمْ وَعْدًا جَمِيلًا. وَقِيلَ: الْقَوْلُ الْمَيْسُورُ أن تقول: رزقنا الله وإياك.

[قوله تَعَالَى وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا] تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا. . . .

[٢٩] {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: ٢٩] يَعْنِي: وَلَا تُمْسِكْ يَدَكَ عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْحَقِّ كَالْمَغْلُولَةِ يَدُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَدِّهَا، {وَلَا تَبْسُطْهَا} [الإسراء: ٢٩] بالعطاء، {كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] فَتُعْطِيَ جَمِيعَ مَا عِنْدَكَ، {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} [الإسراء: ٢٩] يَلُومُكَ سَائِلُوكَ بِالْإِمْسَاكِ إِذَا لَمْ تعطهم، والملوم الَّذِي أَتَى بِمَا يَلُومُ نَفْسَهُ أو يلوم غيره، {مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] منقطعا لَا شَيْءَ عِنْدَكَ تُنْفِقُهُ. يُقَالُ: حَسَرْتُهُ بِالْمَسْأَلَةِ إِذَا أَلْحَفْتُ عَلَيْهِ وَدَابَّةٌ حَسِيرَةٌ إِذَا كَانَتْ كَالَّةً رازحة. قاد قَتَادَةُ: (مَحْسُورًا) نَادِمًا عَلَى مَا فَرَطَ مِنْكَ.

[٣٠] {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ} [الإسراء: ٣٠] يُوسِعُ {الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: ٣٠] أَيْ: يُقَتِّرُ وَيُضَيِّقُ، {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: ٣٠]

[٣١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١] فقر، {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: ٣١] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتَهُمْ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ فَنُهُوا عَنْهُ، وَأُخْبِرُوا أَنَّ رِزْقَهُمْ وَرِزْقَ أَوْلَادِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: ٣١] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ (خطأ) أَيْ: إِثْمًا كَبِيرًا.

[٣٢] {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: ٣٢]

[٣٣] {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣] وَحَقُّهَا: مَا رُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ بِهَا» (١) .

{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] أي: قوة ولاية عَلَى الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ الضَّحَاكُ: سُلْطَانُهُ هُوَ أَنَّهُ يتخير فإن شاء استفاد مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وإن شاء عفا عنه. {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (فَلَا تُسْرِفْ) بِالتَّاءِ يُخَاطِبُ وَلِيَ الْقَتِيلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَيْ: لَا يُسْرِفُ الْوَلِيُّ فِي الْقَتْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِسْرَافِ الَّذِي منع منه ولي القتيل، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ لَا يَقْتُلُ غَيْرَ الْقَاتِلِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ قَتِيلٌ لَا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل


(١) أخرجه أبو داود في الديات ٦ / ٣٠١، والترمذي في الفتن ٣ / ٣٧٣، وابن ماجه في الحدود ٢ / ٨٤٧، والمصنف في شرح السنة ١ / ١٤٨ وأخرجه الشيخان عن ابن مسعود نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>