[١١] قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١] أَيْ خَلَقْتُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَحِيدًا فَرِيدًا لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ كَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدُ فِي قَوْمِهِ.
[١٢] {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا} [المدثر: ١٢] أَيْ كَثِيرًا. قِيلَ: هُوَ مَا يُمَدُّ بِالنَّمَاءِ كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ وَالتِّجَارَةِ.
[١٣] {وَبَنِينَ شُهُودًا} [المدثر: ١٣] حُضُورًا بِمَكَّةَ لَا يَغِيبُونَ عَنْهُ وَكَانُوا عَشَرَةً، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا سَبْعَةً وَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَخَالِدٌ وَعِمَارَةُ وَهُشَامٌ وَالْعَاصُ وَقَيْسٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، أَسْلَمَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ خَالِدٌ وَهُشَامٌ وعمارة.
[١٤] {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} [المدثر: ١٤] أَيْ بَسَطْتُ لَهُ فِي الْعَيْشِ وَطُولِ الْعُمُرِ بَسْطًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْمَالَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ كَمَا يُمَهَّدُ الْفَرْشُ.
[١٥] {ثُمَّ يَطْمَعُ} [المدثر: ١٥] يرجو، {أَنْ أَزِيدَ} [المدثر: ١٥] أَيْ أَنْ أَزِيدَهُ مَالًا، وَوَلَدًا، وتمهيدا.
[١٦] {كَلَّا} [المدثر: ١٦] لَا أَفْعَلُ وَلَا أَزِيدُهُ، قَالُوا: فَمَا زَالَ الْوَلِيدُ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي نُقْصَانٍ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى هَلَكَ {إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا} [المدثر: ١٦] معاندا.
[١٧] {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر: ١٧] سَأُكَلِّفُهُ مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ لَا راحة له فيها.
[قوله تعالى إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ] قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. . .
[١٨] {إِنَّهُ فَكَّرَ} [المدثر: ١٨] في محمد والقرآن {وَقَدَّرَ} [المدثر: ١٨] فِي نَفْسِهِ مَاذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ فِي مُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ.
[١٩] {فَقُتِلَ} [المدثر: ١٩] لَعْنٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عُذِّبَ، {كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: ١٩] عَلَى طَرِيقِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ. ٢٠) {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: ٢٠] كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لُعِنَ عَلَى أَيِ حَالٍ قَدَّرَ مِنَ الْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ لَأَضْرِبَنَّهُ كَيْفَ صَنَعَ أَيْ عَلَى أَيِّ حَالٍ صنع.
[٢١] {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١] فِي طَلَبِ مَا يَدْفَعُ بِهِ الْقُرْآنَ وَيَرُدَّهُ.
[٢٢] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: ٢٢] كَلَحَ وَقَطَّبَ وَجْهَهُ وَنَظَرَ بِكَرَاهِيَةٍ شَدِيدَةٍ كَالْمُهْتَمِّ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ.
[٢٣] {ثُمَّ أَدْبَرَ} [المدثر: ٢٣] عن الإيمان {وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: ٢٣] تَكَبَّرَ حِينَ دُعِيَ إِلَيْهِ.
[٢٤] {فَقَالَ إِنْ هَذَا} [المدثر: ٢٤] ما هذا الذي يقرأه محمد، {إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: ٢٤] يُرْوَى وَيُحْكَى عَنِ السَّحَرَةِ.
[٢٥] {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: ٢٥] يَعْنِي يَسَارًا وَجَبْرًا فَهُوَ يَأْثُرُهُ عنهما. وقيل: يرويه عن مسلمة صَاحِبِ الْيَمَامَةِ.
[٢٦] قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {سَأُصْلِيهِ} [المدثر: ٢٦] سأدخله {سَقَرَ} [المدثر: ٢٦] وَسَقَرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ. ٢٧,
[٢٨] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ - لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ} [المدثر: ٢٧ - ٢٨] أَيْ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَكَلَتْهُ وَأَهْلَكَتْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُمِيتُ وَلَا تُحْيِي يَعْنِي لَا تُبْقِي مَنْ فِيهَا حَيًّا وَلَا تَذَرُ مَنْ فِيهَا مَيِّتًا، كُلَّمَا احْتَرَقُوا جُدِّدُوا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا تُبْقِي لَهُمْ لَحْمًا وَلَا تَذَرُ لَهُمْ عَظْمًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا أَخَذَتْ فِيهِمْ لَمْ تُبْقِ مِنْهُمْ شَيْئًا وَإِذَا أُعِيدُوا لَمْ تَذَرْهُمْ حَتَّى تُفْنِيَهُمْ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَلَالَةٌ وَفَتْرَةٌ إِلَّا جهنم.
[٢٩] {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} [المدثر: ٢٩] مُغَيِّرَةٌ لِلْجِلْدِ حَتَّى تَجْعَلَهُ أَسْوَدَ، يقال: لاحة السقم والحزن إذ غيره، قال مُجَاهِدٌ: تَلْفَحُ الْجِلْدَ حَتَّى تَدَعَهُ أَشَدَّ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مُحْرِقَةٌ لِلْجِلْدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ: تُلَوِّحُ لَهُمْ جَهَنَّمُ حَتَّى يروها عيانا.
[٣٠] {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: ٣٠] أَيْ عَلَى النَّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ خَزَنَتُهَا مَالِكٌ ومعه ثمانية عشر.
[٣١] {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} [المدثر: ٣١] لَا رِجَالًا آدَمِيِّينَ فَمَنْ ذَا يَغْلِبُ الْمَلَائِكَةَ؟ {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} [المدثر: ٣١] أَيْ عَدَدَهُمْ فِي الْقِلَّةِ، {إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر: ٣١] أي ضلالة لهم {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المدثر: ٣١] لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: ٣١] يَعْنِي مَنْ آمَنُ مِنْ أَهْلِ