بِزَعْمِهِمْ قَالَ لَهُمْ لَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ، {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المجادلة: ٩]
[١٠] {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [الْمُجَادَلَةِ: ١٠] أَيْ مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ، {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: ١٠] أَيْ إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَهُمْ ذَلِكَ ليحزن المؤمنين، {وَلَيْسَ} [المجادلة: ١٠] التناجي، {بِضَارِّهِمْ شَيْئًا} [المجادلة: ١٠] وَقِيلَ: لَيْسَ الشَّيْطَانُ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا، {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: ١٠] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» .
[١١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا} [الْمُجَادَلَةِ: ١١] أَيْ تَوَسَّعُوا فِي الْمَجْلِسِ، قَرَأَ الْحَسَنُ وَعَاصِمٌ: فِي الْمَجَالِسِ لِأَنَّ الْكُلَّ جَالِسٌ مَجْلِسًا مَعْنَاهُ لِيَتَفَسَّحْ كُلُّ رَجُلٍ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (فِي الْمَجْلِسِ) عَلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَجْلِسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {فَافْسَحُوا} [المجادلة: ١١] أوسعوا، يقول فَسَحَ يَفْسَحُ فَسْحًا إِذَا وَسَّعَ فِي الْمَجْلِسِ، {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: ١١] يُوَسِّعُ اللَّهُ لَكُمُ الْجَنَّةَ، وَالْمَجَالِسَ فيها، {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: ١١] أَيِ ارْتَفِعُوا، قِيلَ: ارْتَفِعُوا عَنْ مَوَاضِعِكُمْ حَتَّى تُوَسِّعُوا لِإِخْوَانِكُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَإِلَى الْجِهَادِ وَإِلَى مَجَالِسِ كُلِّ خَيْرٍ وَحَقٍّ فَقُومُوا لَهَا وَلَا تُقَصِّرُوا، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [المجادلة: ١١] بِطَاعَتِهِمْ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَامِهِمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ وَتَوْسِعَتِهِمْ لِإِخْوَانِهِمْ، {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [المجادلة: ١١] مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِفَضْلِ عِلْمِهِمْ وَسَابِقَتِهِمْ، {دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: ١١] قَالَ الْحَسَنُ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ افهموا هذه الآية ولترغبنكم فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١] الْمُؤْمِنُ الْعَالِمُ فَوْقَ الَّذِي لَا يعلم درجات.
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ] فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً. . .
[١٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ} [المجادلة: ١٢] أمام مناجاتكم، {صَدَقَةً} [المجادلة: ١٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُوا حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَلَى نَبِيِّهِ وَيُثَبِّطَهُمْ وَيَرْدَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا صَدَقَةً عَلَى الْمُنَاجَاةِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} [المجادلة: ١٢] يَعْنِي تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُنَاجَاةِ، {وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: ١٢] يَعْنِي الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُمْ.
[١٣] {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا} [المجادلة: ١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبَخِلْتُمْ؟ وَالْمَعْنَى: أَخِفْتُمُ الْعَيْلَةَ وَالْفَاقَةَ إِنْ قَدَّمْتُمْ، {بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} [المجادلة: ١٣] مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: ١٣] تَجَاوَزَ عَنْكُمْ وَلَمْ يُعَاقِبْكُمْ بِتَرْكِ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ صِلَةٌ مَجَازُهُ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا تَابَ اللَّهُ عليكم تجاوز عنكم وخفف عنكم، وَنَسَخَ الصَّدَقَةَ.
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَانَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ ثُمَّ نُسِخَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
{فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [المجادلة: ١٣] المفروضة، {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المجادلة: ١٣] الْوَاجِبَةَ، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة: ١٣]
[١٤] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة: ١٤] نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ تَوَلَّوُا الْيَهُودَ وَنَاصَحُوهُمْ وَنَقَلُوا أَسْرَارَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة: ١٤] الْيَهُودَ، {مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} [المجادلة: ١٤] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في الدين والولاية وَلَا مِنَ الْيَهُودِ وَالْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النِّسَاءِ: ١٤٣] {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: ١٤] قَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَلٍ الْمُنَافِقِ كَانَ يُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْفَعُ حَدِيثَهُ إِلَى الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجرة من حجراته إِذْ قَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ قَلْبُهُ قَلْبُ جَبَّارٍ وَيَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ " فَدَخْلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ