وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ إِذْ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣] يُرِيدُ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} [الأنفال: ٣١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَرَى} [الأنعام: ٩٣] يَا مُحَمَّدُ {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعام: ٩٣] سَكَرَاتِهِ وَهِيَ جَمْعُ غَمْرَةٍ وَغَمْرَةُ كل شيء معظمه وأصله الشيء الذي يغمر الْأَشْيَاءَ فَيُغَطِّيهَا، ثُمَّ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِ الشَّدَائِدِ- وَالْمَكَارِهِ، {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام: ٩٣] بِالْعَذَابِ وَالضَّرْبِ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، وقيل. بقبض الأرواح، {أَخْرِجُوا} [الأنعام: ٩٣] أي: يقولون أخرجوا {أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: ٩٣] أَيْ: أَرْوَاحَكُمْ كُرْهًا لِأَنَّ نَفْسَ المؤمن تنشط للقاء ربه، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، يَعْنِي لَوْ تَرَاهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَرَأَيْتَ عَجَبًا، {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: ٩٣] أَيِ: الْهَوَانِ، {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: ٩٣] تَتَعَظَّمُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَلَا تصدقونه.
[٩٤] ، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام: ٩٤] هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ يَقُولُ لِلْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى وُحْدَانًا، لَا مَالَ معكم وَلَا وَلَدَ وَلَا خَدَمَ، وَفُرَادَى جَمْعُ فَرْدَانَ، مِثْلُ سَكْرَانَ وَسُكَارَى، وَكَسْلَانَ وَكُسَالَى، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ فَرْدَى بغير ألف مثل سكارى، {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الْأَنْعَامِ: ٩٤] عراة حفاة غرلا, {وَتَرَكْتُمْ} [الأنعام: ٩٤] وخلفتم {مَا خَوَّلْنَاكُمْ} [الأنعام: ٩٤] أعطينايهم مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْخَدَمِ، {وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام: ٩٤] فِي الدُّنْيَا، {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} [الأنعام: ٩٤] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ اللَّهِ وَشُفَعَاؤُهُمْ عِنْدَهُ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٌ عن عاصم بنصب النون على معنى لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْوَصْلِ، أَوْ تَقَطَّعَ الْأَمْرُ بَيْنَكُمْ بِرَفْعِ النُّونِ، أَيْ: لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [الْبَقَرَةِ: ١٦٦] أَيِ: الْوَصَلَاتُ والبين من الأضداد وَصْلًا وَيَكُونُ هَجْرًا, {وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٩٤]
[قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ] مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. . . .
[٩٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: ٩٥] الْفَلْقُ الشَّقُّ, قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ يَشُقُّ الْحَبَّةَ عَنِ السُّنْبُلَةِ وَالنَّوَاةَ عَنِ النَّخْلَةِ فَيُخْرِجُهَا مِنْهَا، وَالْحَبُّ جَمْعُ الْحَبَّةِ، وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْبُذُورِ وَالْحُبُوبِ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَكُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَوًى، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَشُقُّ الْحَبَّةَ الْيَابِسَةَ وَالنَّوَاةَ اليابسة فيخرج منهما ورقا أخضر, وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الشَّقَّيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا, أَيْ: يَشُقُّ الْحَبَّ عَنِ النَّبَاتِ وَيُخْرِجُهُ مِنْهُ وَيَشُقُّ النَّوَى عَنِ النَّخْلِ وَيُخْرِجُهَا مِنْهُ, وَالنَّوَى جَمْعُ النَّوَاةِ وَهِيَ كُلُّ مَا لم يكن له حب، كَالتَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهَا, وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يَعْنِي: خَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى,
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute