للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} [الأنعام: ٤٠] قَبْلَ الْمَوْتِ، {أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} [الأنعام: ٤٠] يعني: يوم القيامة، {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} [الأنعام: ٤٠] فِي صَرْفِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام: ٤٠] وَأَرَادَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَدْعُونَ اللَّهَ فِي أَحْوَالِ الِاضْطِرَارِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لُقْمَانَ: ٣٢]

[٤١] ، ثُمَّ قَالَ: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} [الأنعام: ٤١] أَيْ: تَدْعُونَ اللَّهَ وَلَا تَدْعُونَ غَيْرَهُ، {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام: ٤١] قَيَّدَ الْإِجَابَةَ بِالْمَشِيئَةِ وَالْأُمُورُ كُلُّهَا بمشيئته، {وَتَنْسَوْنَ} [الأنعام: ٤١] وتتركون، {مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: ٤١]

[٤٢] {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ} [الأنعام: ٤٢] بالشدة والجوع، {وَالضَّرَّاءِ} [الأنعام: ٤٢] المرض والزمانة، {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: ٤٢] أَيْ: يَتُوبُونَ وَيَخْضَعُونَ، وَالتَّضَرُّعُ: السُّؤَالُ بالتذلل.

[٤٣] ، {فَلَوْلَا} [الأنعام: ٤٣] فهلا، {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} [الأنعام: ٤٣] عذابنا، {تَضَرَّعُوا} [الأنعام: ٤٣] آمنوا فيكشف عَنْهُمْ، أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى قَوْمٍ بَلَغُوا مِنَ الْقَسْوَةِ إِلَى أَنَّهُمْ أُخِذُوا بِالشِّدَّةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمْ يَخْضَعُوا وَلَمْ يَتَضَرَّعُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣] مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.

[٤٤] ، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: ٤٤] تَرَكُوا مَا وُعِظُوا وَأُمِرُوا بِهِ، {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ٤٤] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (فتَّحنا) بِالتَّشْدِيدِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ عُقَيْبَهُ جمعًا، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ. وَهَذَا فَتْحُ اسْتِدْرَاجٍ وَمَكْرٍ، أَيْ: بَدَّلْنَا مَكَانَ الْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ الرَّخَاءَ وَالصِّحَّةَ، {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [الأنعام: ٤٤] وَهَذَا فَرَحُ بَطَرٍ مِثْلُ فَرَحِ قَارُونَ بِمَا أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: ٤٤] فَجْأَةً آمَنَ مَا كَانُوا وَأَعْجَبَ مَا كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: ٤٤] آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُبْلِسُ النَّادِمُ الْحَزِينُ، وَأَصْلُ الْإِبْلَاسِ: الْإِطْرَاقُ مِنَ الْحُزْنِ والندم، روى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ» (١) . " ثُمَّ تَلَا (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذكروا به) الآية.

[قوله تعالى فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ] لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. . . . .

[٤٥] ، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنعام: ٤٥] أَيْ: آخِرُهُمْ الَّذِينَ بِدُبُرِهِمْ، يُقَالُ: دَبَرَ فُلَانٌ الْقَوْمَ يَدْبُرُهُمْ دَبْرًا وَدُبُورًا إِذَا كَانَ آخِرَهُمْ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمُ اسْتُؤْصِلُوا بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ، {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٤٥] حَمِدَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ قَطَعَ دَابِرَهُمْ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ عَلَى رسله، فَذَكَرَ الْحَمْدَ لِلَّهِ تَعْلِيمًا لَهُمْ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِمْ، أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى كِفَايَتِهِ شَرَّ الظَّالِمِينَ، وَلِيَحْمَدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَبَّهُمْ إِذَا أَهْلَكَ الْمُكَذِّبِينَ.

[٤٦] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} [الأنعام: ٤٦] أيها


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ج ٤ / ١٤٥ وفيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وانظر مجمع الزوائد (١٠ / ٢٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>