للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأجساد فتحيا بالأجساد، قوله: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [النمل: ٨٧] أَيْ فَصَعِقَ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزُّمَرِ: ٦٨] أي ماتوا، والمعنى أنه يُلْقَى عَلَيْهِمُ الْفَزَعُ إِلَى أَنْ يَمُوتُوا وَقِيلَ: يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ فِي الصُّورِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ نَفْخَةَ الْفَزَعِ وَنَفْخَةَ الصَّعْقِ وَنَفْخَةَ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، قَوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: ٨٧] اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: ٨٧] قال: هم الشهداء المقلدون أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ الْعَرْشِ» (١) وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الشُّهَدَاءُ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَيْهِمْ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: الشُّهَدَاءُ ثنية الله أَيِ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي جِبْرِيلَ ومكائيل وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ، فَلَا يَبْقِى بَعْدَ النَّفْخَةِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ يَقْبِضُ اللَّهُ رُوحَ مِيكَائِيلَ ثُمَّ رُوحَ مَلَكِ الْمَوْتِ، ثُمَّ رُوحَ جِبْرِيلَ فَيَكُونُ آخِرُهُمْ مُوتًا جبريل {وَكُلٌّ} [النمل: ٨٧] أي كل الَّذِينَ أُحْيُوا بَعْدَ الْمَوْتِ، {أَتَوْهُ} [النمل: ٨٧] قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ {أَتَوْهُ} [النمل: ٨٧] مَقْصُورًا بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ أَيْ جَاءُوهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ وَضَمِّ التَّاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مَرْيَمَ: ٩٥] {دَاخِرِينَ} [النمل: ٨٧] صاغرين.

[٨٨] قال الله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: ٨٨] قَائِمَةً وَاقِفَةً، {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨] أي تسير سير السحاب، {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: ٨٨] نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] يعني أَحْكَمَ، {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: ٨٨] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ بالياء والباقون بالتاء.

[قوله تعالى مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن] فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. . . .

[٨٩] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل: ٨٩] بكلمة الإخلاص وهي الشهادة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَحْلِفُ وَلَا يَسْتَثْنِي أَنَّ الْحَسَنَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْإِخْلَاصِ. وَقِيلَ: هِيَ كَلُّ الطاعة، {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: ٨٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمِنْهَا يَصِلُ الْخَيْرُ إِلَيْهِ يَعْنِي لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَسَنَةِ خَيْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْأَمْنُ مِنَ الْعَذَابِ, أَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا مِنْ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: ٨٩] يَعْنِي رِضْوَانَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ: ٧٢] وقال محمد بن كعب: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ: {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: ٨٩] يَعْنِي الْأَضْعَافَ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا فَصَاعِدًا، وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّ لِلْأَضْعَافِ خَصَائِصٌ مِنْهَا أَنَّ الْعَبْدَ يُسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنِ الْأَضْعَافِ, وَمِنْهَا أَنَّ لِلشَّيْطَانِ سَبِيلًا إِلَى عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى الْأَضْعَافِ وَلَا مطمع


(١) عزاه السيوطي في الدر (٧ / ٢٤٩) لأبي يعلى والدارقطني وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>