للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة الفرقان]

[قوله تعالى تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ] لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا. . . .

(٢٥) سورة الفرقان [١] {تَبَارَكَ} [الفرقان: ١] تَفَاعَلَ، مِنَ الْبَرَكَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ، دليله قوله الْحَسَنِ: مَجِيءُ الْبَرَكَةِ مِنْ قِبَلِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَعَظَّمَ، {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الْفُرْقَانَ: ١] أَيْ الْقُرْآنَ، {عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] أَيْ: لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ. قِيلَ: النَّذِيرُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[٢] {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الفرقان: ٢] مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ، {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ٢] فَسَوَّاهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ لَا خَلَلَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ، وَقِيلَ: قَدَّرَ لِكُلِّ شَيْءٍ تَقْدِيرًا مِنَ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ، فَجَرَتِ الْمَقَادِيرُ على ما خلق.

[قوله تعالى وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا] وَهُمْ يُخْلَقُونَ. . .

[٣] قوله عز وجل: {وَاتَّخَذُوا} [الفرقان: ٣] يَعْنِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، {مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الفرقان: ٣] يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [الفرقان: ٣] أَيْ دَفْعَ ضُرٍّ وَلَا جَلْبَ نَفْعٍ، {وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً} [الفرقان: ٣] أي إماتة ولا إحياء، {وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: ٣] أَيْ بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ.

[٤] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفرقان: ٤] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي النَّضْرَ بْنَ الحارث وأصحابه، {إِنْ هَذَا} [الفرقان: ٤] مَا هَذَا الْقُرْآنُ، {إِلَّا إِفْكٌ} [الفرقان: ٤] كذب، {افْتَرَاهُ} [الفرقان: ٤] اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: ٤] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْيَهُودَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ عُبَيْدُ بْنُ الْخِضْرِ الْحَبَشِيُّ الْكَاهِنُ. وَقِيلَ: جَبْرٌ وَيَسَارٌ وَعَدَّاسُ بْنُ عُبَيْدٍ، كَانُوا بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَقَدْ جَاءُوا} [الفرقان: ٤] يَعْنِي قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، {ظُلْمًا وَزُورًا} [الفرقان: ٤] أَيْ بِظُلْمٍ وَزُورٍ. فَلَمَّا حَذَفَ الْبَاءَ انْتُصِبَ، يَعْنِي جَاؤُوا شِرْكًا وَكَذِبًا بِنِسْبَتِهِمْ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْإِفْكِ وَالِافْتِرَاءِ.

[٥] {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: ٥] يَعْنِي النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ مِثْلَ حَدِيثِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ، اكْتَتَبَهَا انْتَسَخَهَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَبْرٍ وَيَسَارٍ وَعَدَّاسٍ، وَمَعْنَى اكْتَتَبَ يَعْنِي طَلَبَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُبُ، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفرقان: ٥] يَعْنِي تُقْرَأُ عَلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا لَا ليكتبها، {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: ٥] غُدْوَةً وَعَشِيًّا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَدًّا عَلَيْهِمْ:

[٦] {قُلْ أَنْزَلَهُ} [الفرقان: ٦] يَعْنِي الْقُرْآنَ، {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} [الفرقان: ٦] يَعْنِي الْغَيْبَ، {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٦]

[٧] {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} [الفرقان: ٧] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، {يَأْكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان: ٧] كَمَا نَأْكُلُ نَحْنُ، {وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٧] يَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَمْشِي فَلَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>