للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٨] {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: ٤٨] الرسول يحكم بِحُكْمِ اللَّهِ، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: ٤٨] يعني عَنِ الْحُكْمِ. وَقِيلَ: عَنِ الْإِجَابَةِ.

[٤٩] {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: ٤٩] مطيعين منقادين لحكمه، يعني إِذَا كَانَ الْحَقُّ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ أَسْرَعُوا إِلَى حُكْمِهِ لِثِقَتِهِمْ بِأَنَّهُ كَمَا يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ يَحْكُمُ لَهُمْ أَيْضًا بِالْحَقِّ.

[٥٠] {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور: ٥٠] يعني شَكُّوا، هَذَا اسْتِفْهَامُ ذَمٍّ وَتَوْبِيخٍ، يعني هُمْ كَذَلِكَ، {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور: ٥٠] يعني بِظُلْمٍ، {بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: ٥٠] لِأَنْفُسِهِمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ.

[٥١] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: ٥١] إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: ٤٨] هَذَا لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ الْخَبَرِ لَكِنَّهُ تَعْلِيمُ أَدَبِ الشَّرْعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا، وَنَصْبُ الْقَوْلِ عَلَى الْخَبَرِ وَاسْمُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: ٥١] يعني سَمِعْنَا الدُّعَاءَ وَأَطَعْنَا بِالْإِجَابَةِ. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: ٥١]

[٥٢] {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ} [النور: ٥٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: فيما ساءه وسره ويخشى اللَّهَ عَلَى مَا عَمِلَ مِنَ الذنوب. {وَيَتَّقْهِ} [النور: ٥٢] فيما بعد, {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: ٥٢] النَّاجُونَ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ (يَتَّقِهْ) سَاكِنَةَ الْهَاءِ، وَيَخْتَلِسُهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَقَالُونُ، كَمَا فِي نَظَائِرِهَا وَيُشْبِعُهَا الْبَاقُونَ كَسْرًا، وَقَرَأَ حَفْصٌ (يَتَّقْهِ) بِسُكُونِ الْقَافِ وَاخْتِلَاسِ الْهَاءِ، وَهَذِهِ اللُّغَةُ إِذَا سميت الْيَاءُ لِلْجَزْمِ يُسَكِّنُونَ مَا قَبْلَهَا يَقُولُونَ لَمْ أَشْتَرْ طَعَامًا بِسُكُونِ الراء.

[٥٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النور: ٥٣] جَهْدُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ وَلَا حَلِفَ فَوْقَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ، {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور: ٥٣] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَمَا كُنْتَ نَكُنْ مَعَكَ، لَئِنْ خَرَجْتَ خَرَجْنَا وَإِنْ أَقَمْتَ أَقَمْنَا وَإِنْ أَمَرْتَنَا بِالْجِهَادِ جَاهَدْنَا، فقال تعالى: {قُلْ} [النور: ٥٣] لهم, {لَا تُقْسِمُوا} [النور: ٥٣] لَا تَحْلِفُوا، وَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ، ثم قال: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: ٥٣] يعني هَذِهِ طَاعَةٌ بِالْقَوْلِ وَبِاللِّسَانِ دُونَ الاعتقاد، وهي معروفة يعني أمر عرف أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ وَتَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ أَفْضَلُ وَأَمْثَلُ مِنْ يَمِينٍ بِاللِّسَانِ لَا يُوَافِقُهَا الْفِعْلُ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سليمان: لكن مِنْكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ. {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور: ٥٣]

[قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ] تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ. . .

[٥٤] {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} [النور: ٥٤] يعني تَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} [النور: ٥٤] يَعْنِي عَلَى الرَّسُولِ مَا كُلِّفَ وَأُمِرَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: ٥٤] مِنَ الْإِجَابَةِ وَالطَّاعَةِ، {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: ٥٤] أي التبليغ البين.

[٥٥] قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: ٥٥] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْوَحْيِ عَشْرَ سِنِينَ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْكَفَّارِ، وَكَانُوا يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ خَائِفِينَ ثُمَّ أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأُمِرُوا بِالْقِتَالِ وَهُمْ عَلَى خَوْفِهِمْ لَا يُفَارِقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ سِلَاحَهُ فَقَالَ رَجُلٌ منهم: أما يأتي علينا يوم نؤمن فِيهِ وَنَضَعُ السِّلَاحَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) أَدْخَلَ اللَّامَ لِجَوَابِ الْيَمِينِ الْمُضْمَرَةِ، يَعْنِي وَاللَّهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ أَيْ لَيُوَرِّثَنَّهُمْ أَرْضَ الْكُفَّارِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَيَجْعَلُهُمْ مُلُوكَهَا وَسَاسَتَهَا وَسُكَّانَهَا، {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٥] قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ (كَمَا اسْتُخْلِفَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَعَدَ اللَّهُ) قَالَ قَتَادَةُ: (كَمَا اسْتَخْلَفَ) دَاوُدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>