[٨] {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: ٨] أي المرجع في الآخرة.
[٩، ١٠] {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى - عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: ٩ - ١٠] نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، وَمَعْنَى أَرَأَيْتَ هَاهُنَا تَعْجِيبٌ لِلْمُخَاطَبِ، وَكَرَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلتَّأْكِيدِ.
[١١] {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} [العلق: ١١] يَعْنِي الْعَبْدَ الْمَنْهِيَّ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[١٢] {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق: ١٢] يَعْنِي بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ.
[١٣] {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ} [العلق: ١٣] يعني أبا جهل، {وَتَوَلَّى} [العلق: ١٣] عَنِ الْإِيمَانِ، وَتَقْدِيرُ نَظْمِ الْآيَةِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى - عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: ٩ - ١٠] وهو على الهدى، وأمر بِالتَّقْوَى، وَالنَّاهِي مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ عَنِ الْإِيمَانِ، فَمَا أَعْجَبَ مِنْ هَذَا!
[١٤] {أَلَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١٤] يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، {بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: ١٤] ذلك فيجازيه به.
[١٥] {كَلَّا} [العلق: ١٥] لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} [العلق: ١٥] عن إيذاء مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكذيبه، {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: ١٥] لنأخذن بناصيته فلنجرنه من النَّارِ، كَمَا قَالَ: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرَّحْمَنِ: ٤١] يُقَالُ: سَفَعْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا أَخَذْتُهُ وَجَذَبْتُهُ جَذْبًا شَدِيدًا، والناصية: شَعْرُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ.
[١٦] ثُمَّ قَالَ عَلَى الْبَدَلِ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: ١٦] أَيْ صَاحِبُهَا كَاذِبٌ خَاطِئٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَهَى أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ انْتَهَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقال أبو جهل: أتنتهرني؟ فَوَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّ عَلَيْكَ هَذَا الْوَادِي إِنْ شِئْتَ خَيْلًا جُرْدًا وَرِجَالًا مردا.
[١٧] قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: ١٧] أَيْ قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ، أَيْ فَلْيَسْتَنْصِرْ بهم.
[١٨] {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: ١٨] جَمْعُ زِبْنِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنَ الزِّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ زَبَانِيَةَ جَهَنَّمَ سَمُّوا بِهَا لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْهَا، قَالَ الزَّجَّاجُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ.
[١٩] ثم قال: {كَلَّا} [العلق: ١٩] لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أبو جهل، {لَا تُطِعْهُ} [العلق: ١٩] في ترك الصلاة، {وَاسْجُدْ} [العلق: ١٩] صل لله، {وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] من الله.
[سورة القدر]
[قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. . .]
(٩٧) سورة الْقَدْرِ [١] {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: ١] يَعْنِي الْقُرْآنَ كِنَايَةً عَنْ غير مذكور، أنه أَنْزَلَهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ، ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نُجُومًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً.
[٢] ثُمَّ عَجَّبَ نَبِيَّهُ فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: ٢] سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَيْلَةُ تَقْدِيرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامُ، يُقَدِّرُ اللَّهُ فِيهَا أَمْرَ السَّنَةِ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤] وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رُفِعَتْ، وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ القيامة. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ لَيْلَةٌ مِنْ ليالي السنة، وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَلَى أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ صَبِيحَتُهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ. وَالصَّحِيحُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رمضان، أَبْهَمَ اللَّهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةَ، وَأَخْفَى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَاسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ، وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ لِيَرْغَبُوا فِي جَمِيعِهَا، وَسُخْطَهُ فِي الْمَعَاصِي لِيَنْتَهُوا عَنْ جَمِيعِهَا، وَأَخْفَى قِيَامَ السَّاعَةِ