للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافَ مَا فِي أَلْسِنَتِهِمْ، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [النساء: ٦٣] أي: عن عقوبتهم. وَقِيلَ: هُوَ التَّخْوِيفُ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: أن يوعدهم بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، قَالَ الْحَسَنُ: الْقَوْلُ الْبَلِيغُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ النِّفَاقِ قُتِلْتُمْ لِأَنَّهُ يبلغ من نفوسكم كُلَّ مَبْلَغٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} [النساء: ٦٣] فِي الْمَلَإِ {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: ٦٣] فِي السِّرِّ وَالْخَلَاءِ، وَقَالَ: قِيلَ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ.

[٦٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤] أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَجَبَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَقِيلَ: إِلَّا لِيُطَاعَ كَلَامٌ تَامٌّ كَافٍ، بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: بِعِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، أَيْ: وُقُوعُ طَاعَتِهِ يَكُونُ بِإِذْنِ اللَّهِ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٦٤] لتحاكمهم إِلَى الطَّاغُوتِ {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ٦٤]

[٦٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: ٦٥] (فَلَا) أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ثُمَّ لَا يَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ (وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (لَا) فِي قَوْلِهِ (فَلَا) صِلَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ (فَلَا أُقْسِمُ) ، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ: أَيْ يَجْعَلُوكَ حكما، {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] أَيْ: اخْتَلَفَ وَاخْتَلَطَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، وَمِنْهُ الشَّجَرُ لِالْتِفَافِ أَغْصَانِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء: ٦٥] قَالَ مُجَاهِدٌ: شَكًّا، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضيقا، {مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: ٦٥] وقال الضحاك: إنما، أَيْ: يَأْثَمُونَ بِإِنْكَارِهِمْ مَا قَضَيْتَ، {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] أي: ينقادوا لأمرك انقيادا.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ] أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. . . .

[٦٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا} [النساء: ٦٦] أَيْ: فَرَضْنَا وَأَوْجَبْنَا {عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٦٦] كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ} [النساء: ٦٦] كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْخُرُوجِ من مصر، {مَا فَعَلُوهُ} [النساء: ٦٦] معناه: مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ إِلَّا طَاعَةَ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، وَلَوْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ وَالْخُرُوجَ عَنِ الدَّوْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ، {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦] نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ. قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عُمَرُ وعمار بن يا سر وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمُ الْقَلِيلُ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنَا لَفَعَلْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَثْبَتُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي» ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الشام (إلا قليلا) بالنصف عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ الشَّامِ، وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، تَقْدِيرُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قَلِيلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الضَّمِيرِ الْفَاعِلِ فِي قوله: (فعلوا) تَقْدِيرُهُ: إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ فَعَلُوهُ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء: ٦٦] يؤمرون بِهِ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: ٦٦] تحقيقا أو تصديقا لِإِيمَانِهِمْ.

[٦٧] {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٦٧] ثَوَابًا وَافِرًا.

[٦٨] {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: ٦٨] أَيْ: إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.

[٦٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النساء: ٦٩] أي: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، (وَالرَّسُولَ) فِي السُّنَنِ (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) أَيْ: لَا تَفُوتُهُمْ رؤية الأنبياء ومجالستهم لأنهم يُرْفَعُونَ إِلَى دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ، {وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: ٦٩] وَهُمْ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصِّدِّيقُ الْمُبَالِغُ في الصدق، {وَالشُّهَدَاءِ} [النساء: ٦٩] قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَقِيلَ: الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>