للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} [المائدة: ٣٠] أَيْ: طَاوَعَتْهُ وَشَايَعَتْهُ وَعَاوَنَتْهُ، {قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣٠] فِي قَتْلِ أَخِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَشَجَّعَتْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فَزَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَقَالَ يَمَانٌ: سَهَّلَتْ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ: جَعَلَتْهُ سَهْلًا، تَقْدِيرُهُ: صَوَّرَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّ قَتْلَ أَخِيهِ طَوْعٌ لَهُ أَيْ سَهْلٌ عليه، فقتله، قِيلَ: قُتِلَ وَهُوَ مُسْتَسْلِمٌ، وَقِيلَ: اغْتَالَهُ وَهُوَ فِي النَّوْمِ فَشَدَخَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: ٣٠] وَكَانَ لِهَابِيلَ يَوْمَ قُتل عِشْرُونَ سنة فَلَمَّا قَتَلَهُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَيِّتٍ عَلَى وَجْهِ الأرض من بني آدم فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ حَفَرَ لَهُ بِمِنْقَارِهِ وَبِرَجُلِهِ حَتَّى مَكَّنَ لَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحُفْرَةِ، وَوَارَاهُ، وَقَابِيلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

[٣١] {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣١] فَلَمَّا رَأَى قَابِيلُ ذَلِكَ {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} [المائدة: ٣١] أَيْ: جِيفَتَهُ، وَقِيلَ: عَوْرَتَهُ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَبَ ثِيَابَهُ، {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: ٣١] عَلَى حَمْلِهِ عَلَى عَاتِقِهِ لَا عَلَى قَتْلِهِ، وَقِيلَ: عَلَى فِرَاقِ أَخِيهِ، وَقِيلَ: نَدِمَ لِقِلَّةِ النَّفْعِ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ، وَمَا انْتَفَعَ بِقَتْلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ نَدَمُهُ عَلَى الْقَتْلِ وَرُكُوبِ الذَّنْبِ.

[قوله تعالى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ] أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. . . .

[٣٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} [المائدة: ٣٢] أَيْ: مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجِنَايَتِهِ، يُقَالُ: أَجَلَ يَأْجَلُ أَجَلًا، إِذَا جَنَى، مِثْلُ أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذًا {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: ٣٢] قَتَلَهَا فَيُقَادُ مِنْهُ، {أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٢] يُرِيدُ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَبِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] اختلفوا في تأويله، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: مَنْ قتل نبيا أو إمام عدل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَضُدَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا، كَمَا يصلى لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جميعا، قال قتادة: أعظم اللَّهُ أَجْرَهَا وَعَظَّمَ وِزْرَهَا، مَعْنَاهُ مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حقه فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْهُ {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: ٣٢] وَتَوَرَّعَ عَنْ قَتْلِهَا، {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] فِي الثَّوَابِ لِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهَا مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، ومن أحياها أي عفا عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أهي لَنَا كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>