وَقَذَفَ فِي أَنْفُسِهَا فَفَهِمَتْهُ، وَالنَّحْلُ زَنَابِيرُ الْعَسَلِ وَاحِدَتُهَا نَحْلَةٌ. {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: ٦٨] يَبْنُونَ، وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ أَهْلَهَا يَبْنُونَ لَهَا الْأَمَاكِنَ فَهِيَ تَأْوِي إِلَيْهَا، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْكُرُومُ.
[٦٩] {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: ٦٩] لَيْسَ مَعْنَى الْكُلِّ الْعُمُومَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النَّمْلِ: ٢٣] {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: ٦٩] قِيلَ: هِيَ نَعْتُ الطُّرُقِ، يَقُولُ: هِيَ مُذَلَّلَةٌ لِلنَّحْلِ سَهْلَةُ الْمَسَالِكِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الذُّلُلُ نَعْتُ النِّحَلِ، أَيْ: مُطِيعَةٌ مُنْقَادَةٌ بِالتَّسْخِيرِ. يُقَالُ: إِنَّ أَرْبَابَهَا يَنْقُلُونَهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَلَهَا يَعْسُوبٌ إِذَا وَقَفَ وَقَفَتْ وَإِذَا سَارَ سَارَتْ، {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} [النحل: ٦٩] يعني: العسل {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: ٦٩] أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ. {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] أَيْ: فِي الْعَسَلِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَوَّلُ أُولَى، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٦٩] فَيَعْتَبِرُونَ.
[٧٠] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} [النحل: ٧٠] صبيانا أو شبانا أو {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: ٧٠] أَرْدَئِهِ قَالَ مُقَاتِلٌ. يَعْنِي الْهَرَمَ. قَالَ قَتَادَةُ: أَرْذَلُ الْعُمُرِ: تِسْعُونَ سَنَةً رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أرذل العمر: خمس وسبعون. وَقِيلَ: ثَمَانُونَ سَنَةً. {لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: ٧٠] لِكَيْلَا يَعْقِلَ بَعْدَ عَقْلِهِ الْأَوَّلِ شَيْئًا، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [النحل: ٧٠]
[٧١] {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: ٧١] بَسَطَ عَنْ وَاحِدٍ وَضَيَّقَ عَلَى الْآخَرِ وَقَلَّلَ وَكَثَّرَ. {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النحل: ٧١] مِنَ الْعَبِيدِ، {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: ٧١] أَيْ: حَتَّى يَسْتَوُوا هُمْ وَعَبِيدُهُمْ فِي ذَلِكَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونُوا هُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ فِيمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ سَوَاءً وَقَدْ جَعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي يُلْزِمُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَشْرِكُهُ مَمْلُوكُهُ فِي زَوْجَتِهِ وَفِرَاشِهِ وَمَالِهِ أَفَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ وَعِبَادَهُ. {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: ٧١] بالإشراك به.
[٧٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: ٧٢] يَعْنِي: النِّسَاءَ خَلَقَ مِنْ آدَمَ وزوجته حَوَّاءَ، وَقِيلَ: مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَيْ: مِنْ جِنْسِكُمْ أَزْوَاجًا، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: ٧٢] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ: الْحَفَدَةُ أَخْتَانُ الرَّجُلِ عَلَى بَنَاتِهِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُمُ الْأَصْهَارُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ تُزَوِّجُونَهُمْ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِهِمُ الْأَخْتَانُ وَالْأَصْهَارُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَاكُ: هُمُ الْخَدَمُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْأَعْوَانُ مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ وَلَدُ وَلَدِ الرَّجُلِ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ وَيَخْدُمُونَهُ. وقال قتادة: مهنة تمتهنونهم وَيَخْدُمُونَكُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ ومقاتل: البنين الصغار والحفدة كِبَارُ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى عَمَلِهِ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: أَنَّهُمْ بَنُو امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَيْسُوا منه {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: ٧٢] من النعم الحلال، {أَفَبِالْبَاطِلِ} [النحل: ٧٢] يعني الأصنام، {يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: ٧٢] يَعْنِي التَّوْحِيدَ وَالْإِسْلَامَ، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ الشَّيْطَانُ أَمَرَهُمْ بِتَحْرِيمِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وبنعمة اللَّهِ أَيْ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ لهم يكفرون يجحدون تحليله.
[قوله تعالى وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ] رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ. . . .
[٧٣] {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ} [النحل: ٧٣] يعني المطر، {وَالْأَرْضِ} [النحل: ٧٣] يعني النبات، {شَيْئًا} [النحل: ٧٣] قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الرِّزْقِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَمْرِ الرِّزْقِ شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نُصِبَ شَيْئًا بِوُقُوعِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَرْزُقُ شَيْئًا، {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: ٧٣] ولا يقدرون على شيء بذكر عَجْزَ الْأَصْنَامِ عَنْ إِيصَالِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute