أَوْ قَاعِدًا؟ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: ١١] » وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ، هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَرْضٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ جَمِيعًا، وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ فَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ لَا تَصِحُّ جَمْعَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِتَسْبِيحَةٍ أَوْ تَحْمِيدَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ أَجَزَأَهُ.
وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الخطبة، وهو مأمور بالخطبة {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [الجمعة: ١١] أَيْ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّبَاتِ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: ١١] لِأَنَّهُ مُوجِدُ الْأَرْزَاقِ فَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوا ومنه فاطلبوا.
[سورة المنافقون]
[قوله تعالى إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ] لَرَسُولُ اللَّهِ. . .
(٦٣) سورة المنافقون [١] {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: ١] يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ وَأَصْحَابَهُ، {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] لِأَنَّهُمْ أَضْمَرُوا خِلَافَ مَا أَظْهَرُوا.
[٢] {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: ٢] سُتْرَةً {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [المنافقون: ٢] مَنَعُوا النَّاسَ عَنِ الْجِهَادِ وَالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون: ٢]
[٣] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} [المنافقون: ٣] أَقَرُّوا بِاللِّسَانِ إِذَا رَأَوْا الْمُؤْمِنِينَ، {ثُمَّ كَفَرُوا} [المنافقون: ٣] إِذَا خَلَوْا إِلَى الْمُشْرِكِينَ {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون: ٣] بالكفر، {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٣] الْإِيمَانَ.
[٤] {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: ٤] يَعْنِي أَنَّ لَهُمْ أَجْسَامًا وَمَنَاظِرَ، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون: ٤] فَتَحَسَبُ أَنَّهُ صِدْقٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَسِيمًا فَصِيحًا ذَلِقَ اللِّسَانِ، فَإِذَا قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: ٤] أَشْبَاحٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٌ بِلَا أحلام {مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: ٤] مُمَالَةٌ إِلَى جِدَارٍ مِنْ قَوْلِهِمْ أسندت الشيء إذا أملته، وَأَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَشْجَارٍ تُثْمِرُ وَلَكِنَّهَا خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ إِلَى حَائِطٍ، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: ٤] أَيْ لَا يَسْمَعُونَ صَوْتًا فِي العسكر إن نَادَى مُنَادٍ أَوِ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ أو أنشدت ضَالَّةٌ إِلَّا ظَنُّوا مِنْ جُبْنِهِمْ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يُرَادُونَ بِذَلِكَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ أُتُوا، لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ.
وَقِيلَ: ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ عَلَى وَجَلٍ مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَمْرًا يَهْتِكُ أَسْتَارَهُمْ وَيُبِيحُ دِمَاءَهُمْ ثُمَّ قال: {هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون: ٤] هذا ابتداء وخبره، {فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: ٤] ولا تأمنهم، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [المنافقون: ٤] لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤] يصرفون عن الحق.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ] اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. . .
[٥] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: ٥] أَيْ عَطَفُوا وَأَعْرَضُوا بِوُجُوهِهِمْ رَغْبَةً