للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْبُولَ الْعَقْلِ. وَأَصْلُ الْحَرَضِ: الْفَسَادُ فِي الْجِسْمِ، وَالْعَقْلِ مِنَ الْحُزْنِ والهرم، أو العشق أو الهم، يُقَالُ: رَجُلٌ حَرَضٌ وَامْرَأَةٌ حَرَضٌ، وَرَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ حَرَضٌ، وَرِجَالٌ وَنِسَاءٌ كَذَلِكَ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف: ٨٥] أي: من الميتين.

[٨٦] {قَالَ} [يوسف: ٨٦] يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى غِلْظَتَهُمْ {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُفَ: ٨٦] وَالْبَثُّ أَشَدُّ الْحُزْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ حتى يبثه أَيْ: يُظْهِرَهُ، قَالَ الْحَسَنُ: بَثِّي أي: حاجتي. وروى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَعْقُوبَ جَارٌ له وقال: يا يعقوب ما الذي غير حالك مالي أَرَاكَ قَدْ تَهَشَّمْتَ وَفَنِيتَ وَلَمْ تَبْلُغْ مِنَ السِّنِّ مَا بَلَغَ أَبُوكَ؟ قَالَ: هَشَّمَنِي وَأَفْنَانِي مَا ابْتَلَانِي اللَّهُ بِهِ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا يَعْقُوبُ أَتَشْكُونِي إِلَى خَلْقِي؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَطِيئَةٌ أَخْطَأْتُهَا فَاغْفِرْهَا لِي، فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا سُئِلَ قَالَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وحزني إلى الله. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: ٨٦] يَعْنِي أَعْلَمُ مِنْ حَيَاةِ يُوسُفَ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ] وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. . . . .

[٨٧] {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا} [يوسف: ٨٧] تخبروا واطلبوا الخير، {مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: ٨٧] وَالتَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ لَا يَبْعُدُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا أَنَّ التَّحَسُّسَ بِالْحَاءِ فِي الْخَيْرِ وَبِالْجِيمِ فِي الشَّرِّ، والتحسس هُوَ طَلَبُ الشَّيْءِ بِالْحَاسَّةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: معناه التمسوا {وَلَا تَيْأَسُوا} [يوسف: ٨٧] وَلَا تَقْنَطُوا {مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: ٨٧] أي: من الرحمة: وَقِيلَ: مِنْ فَرَجِ اللَّهِ. {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]

[٨٨] {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ} [يوسف: ٨٨] وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إِلَى مِصْرَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهَا فدخلوا عَلَيْهِ، {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف: ٨٨] أَيِ: الشِّدَّةُ وَالْجُوعُ، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف: ٨٨] أَيْ: قَلِيلَةٍ رَدِيئَةٍ كَاسِدَةٍ لَا تُنْفَقُ فِي ثَمَنِ الطَّعَامِ إِلَّا بِتَجَوُّزٍ مِنَ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَصْلُ الْإِزْجَاءِ السَّوْقُ وَالدَّفْعُ وَقِيلَ: لِلْبِضَاعَةِ مزجاة لأنها غير نافعة، وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى دَفْعٍ مَنْ أخذها، {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} [يوسف: ٨٨] أَيْ: أَعْطِنَا مَا كُنْتَ تُعْطِينَا قبل الثمن الجيد الوافي {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: ٨٨] أَيْ تَفَضَّلْ عَلَيْنَا بِمَا بَيْنَ الثَّمَنَيْنِ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَلَا تَنْقُصْنَا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالضَّحَّاكُ: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا بِرَدِّ أَخِينَا إِلَيْنَا. {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي} [يوسف: ٨٨] يثيب, {الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: ٨٨] وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمْ يَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مُؤْمِنٌ. وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هَلْ حُرِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: ٨٨] يُرِيدُ أَنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ حَلَالًا لَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>