للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصيام {ذَلِكَ} [المائدة: ٨٩] أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ، {كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] وَحَنِثْتُمْ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلا بعد الحنث. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ تَرْكَ الْحَلِفِ، أَيْ: لَا تَحْلِفُوا، وَقِيلَ - وَهُوَ الْأَصَحُّ -: أَرَادَ بِهِ إِذَا حَلَفْتُمْ فَلَا تَحْنَثُوا، فَالْمُرَادُ مِنْهُ حِفْظُ الْيَمِينِ عَنِ الْحِنْثِ هَذَا إِذَا لم يكن يَمِينُهُ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، فَإِنْ حَلِفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحنث نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٨٩]

[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ] وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. . . .

[٩٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] أي: القمار، {وَالْأَنْصَابُ} [المائدة: ٩٠] يعني: الأوثان، وسميت بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصِبُونَهَا، وَاحِدُهَا نَصْبٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ، وَنُصْبٌ بِضَمِّ النُّونِ مُخَفَّفًا وَمُثْقَلًا، {وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: ٩٠] يعني: القِداح التي يستقسمون بها واحدها زلم وزلم، {رِجْسٌ} [المائدة: ٩٠] خَبِيثٌ مُسْتَقْذَرٌ، {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: ٩٠] من تزيينه، {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الرِّجْسِ، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٩٠]

[٩١] {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: ٩١] أما العداوة فِي الْخَمْرِ فَإِنَّ الشَّارِبِينَ إِذَا سَكِرُوا عَرْبَدُوا وَتَشَاجَرُوا، كَمَا فَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي شَجَّ سَعْدَ بْنَ أبي وقاص بلحي الجمل، وأما الْعَدَاوَةُ فِي الْمَيْسِرِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يُقَامِرُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْمَالِ ثُمَّ يَبْقَى حَزِينًا مَسْلُوبَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ مُغْتَاظًا عَلَى حُرَفَائِهِ، {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١] وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِشُرْبِ الخمر والقمار أَلْهَاهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشَوَّشَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ كَمَا فَعَلَ بِأَضْيَافِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وتقدم رَجُلٌ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ بَعْدَمَا شَرِبُوا فَقَرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الْكَافِرُونَ: ١] أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، بِحَذْفِ لا، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٩١] أَيِ: انتهوا، لفظه اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٠] ؟

[٩٢] {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: ٩٢] الْمَحَارِمَ وَالْمَنَاهِيَ، {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: ٩٢]

[٩٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الآية، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالُوا لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ مِنْ مَالِ الْمَيْسِرِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] وَشَرِبُوا مِنَ الْخَمْرِ وَأَكَلُوا مِنْ مَالِ الْمَيْسِرِ {إِذَا مَا اتَّقَوْا} [المائدة: ٩٣] الشرك، {وَآمَنُوا} [المائدة: ٩٣] وَصَدَّقُوا، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا} [المائدة: ٩٣] الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهِمَا، {وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا} [المائدة: ٩٣] مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>