كذلك، {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠] قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يدخلونه، يقال: صلى النار يصلوها صليا وصلاء، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصَّافَّاتِ: ١٦٣] وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيُحْرَقُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النِّسَاءِ: ٣٠] {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: ٢٦]
[١١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] الْآيَةَ، اعْلَمْ أَنَّ الْوِرَاثَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالذُّكُورَةِ وَالْقُوَّةِ فَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانَ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] الْآيَةَ، وَكَانَتْ أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْمُحَالَفَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّسَاءِ: ٣٣] ثُمَّ صَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِالْهِجْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الْأَنْفَالِ: ٧٢] فَنُسِخَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَصَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بالنسب والنكاح أو الولاء، والمعني بِالنَّسَبِ أَنَّ الْقَرَابَةَ يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] وَالْمَعْنِيُّ بِالنِّكَاحِ: أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَرِثُ صَاحِبَهُ، وَبِالْوَلَاءِ: أَنَّ الْمُعْتِقَ وعصباته يرثون المعتق، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) أَيْ: يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ وَيَفْرِضُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلَادِكُمْ أَيْ: فِي أَمْرِ أَوْلَادِكُمْ إِذَا مِتُّمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. {فَإِنْ كُنَّ} [النساء: ١١] يَعْنِي: الْمَتْرُوكَاتِ مِنَ الْأَوْلَادِ، {نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] أي: اثنتين فَصَاعِدًا (فَوْقَ) صِلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الْأَنْفَالِ: ١٢] {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ} [النساء: ١١] يعني: البنت، {وَاحِدَةً} [النساء: ١١] قراءة العامة على خبر كان، رفعها أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى إِنْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، {فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} [النساء: ١١] يَعْنِي لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] أَرَادَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ يَكُونُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَالْأَبُ يَكُونُ صَاحِبَ فَرْضٍ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: ١١] اثنان أو أكثر ذكورا وإناثا {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١] وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْأَبِ إِنْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ، وَالْإِخْوَةُ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ الْأَبِ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا أن يكونوا ثلاثة لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) ، وَلَا يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ إِخْوَةٌ، فَنَقُولُ اسْمُ الْجَمْعِ قَدْ يَقَعُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ شَيْءٍ إلى شيء فهو موجود في الِاثْنَيْنِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وأبو بكر (يوصي) فتح الصَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ وَوَافَقَ حَفْصَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الصاد لأنه جرى ذكر لميت مِنْ قَبْلُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِينَ} [النساء: ١٢] و {تُوصُونَ} [النِّسَاءِ: ١٢] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكُمْ تقرؤون الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ الْجَمْعُ لَا التَّرْتِيبُ، وَبَيَانُ أَنَّ الْمِيرَاثَ مُؤَخَّرٌ عَنِ الدين والوصية جميعا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إِنْ كَانَتْ أو دين إن كان، والإرث مُؤَخَّرٌ عَنْ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} [النساء: ١١] يَعْنِي: الَّذِينَ يَرِثُونَكُمْ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ، {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١] أَيْ: لَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ أَنْفَعُ لَكُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْأَبَ أَنْفَعُ لَهُ، فَيَكُونُ الِابْنُ أَنْفَعَ لَهُ، وَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الِابْنَ أَنْفَعُ لَهُ فَيَكُونُ الْأَبُ أَنْفَعَ لَهُ، وَأَنَا الْعَالِمُ بِمَنْ هُوَ أنفع لكم، وقد دبر أَمْرَكُمْ عَلَى مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فاتبعوه، {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١١] أي: ما قدر الله مِنَ الْمَوَارِيثِ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} [النساء: ١١] بأمور العباد، {حَكِيمًا} [النساء: ١١] بنصب الأحكام.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ] لَهُنَّ وَلَدٌ. . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute