للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهُمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمُ الْعِلْمَ بعد الخروج، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨] نعمة كون السمع والأبصار والأفئدة قبل الخروج إذ يسمع الطفل ويبصر ولا يعلم، وهذه الجوارح من غير هذه الصفات كالمعدوم، كما قال فيمن لا يسمع الحق ولا يبصر العبر ولا يعقل الثواب: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨] لا يشكرون نعمه.

[٧٩] {أَلَمْ يَرَوْا} [النحل: ٧٩] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: (وَيَعْبُدُونَ) . {إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ} [النحل: ٧٩] مذللات، {فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: ٧٩] وهو الهدف بين السماء والأرض، روى كعب الأحبار أن الطير ترفع اثني عشر ميلا ولا ترفع فَوْقَ هَذَا وَفَوْقَ الْجَوِّ السُّكَاكُ السماء {مَا يُمْسِكُهُنَّ} [النحل: ٧٩] فِي الْهَوَاءِ {إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: ٧٩]

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ] لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا. . . .

[٨٠] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النحل: ٨٠] الَّتِي هِيَ مِنَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، {سَكَنًا} [النحل: ٨٠] أَيْ: مَسْكَنًا تَسْكُنُونَهُ، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: ٨٠] يَعْنِي الْخِيَامَ وَالْقِبَابَ وَالْأَخْبِيَةَ وَالْفَسَاطِيطَ من الأنطاع والأدم، {تَسْتَخِفُّونَهَا} [النحل: ٨٠] أَيْ: يَخِفُّ عَلَيْكُمْ حَمْلُهَا، {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: ٨٠] رحلتكم في سفركم، {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: ٨٠] فِي بَلَدِكُمْ لَا تَثْقُلُ عَلَيْكُمْ فِي الْحَالَيْنِ، {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [النحل: ٨٠] يَعْنِي أَصْوَافَ الضَّأْنِ وَأَوْبَارَ الْإِبِلِ أشعار المعز، والكناية راجعة إلى الأنعام، {أَثَاثًا} [النحل: ٨٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَتَاعًا. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْأَثَاثُ المال جميعه من الإبل والغنم وَالْمَتَاعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الْفَرْشِ وَالْأَكْسِيَةِ، {وَمَتَاعًا} [النحل: ٨٠] بَلَاغًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا، {إِلَى حِينٍ} [النحل: ٨٠] يعني إلى حين الْمَوْتَ. وَقِيلَ: إِلَى حِينِ تَبْلَى.

[٨١] {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} [النحل: ٨١] تَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَهِيَ ظِلَالُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ, {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: ٨١] يَعْنِي: الْأَسْرَابَ وَالْغِيرَانَ وَاحِدُهَا كُنٌّ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} [النحل: ٨١] قُمُصًا مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقَزِّ وَالْقُطْنِ والصوف, {تَقِيكُمُ} [النحل: ٨١] تمنعكم, {الْحَرَّ} [النحل: ٨١] قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ الْحَرَّ والبرد اكتفاء بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: ٨١] يَعْنِي: الدُّرُوعَ , وَالْبَأْسُ: الْحَرْبُ, يَعْنِي تَقِيكُمْ فِي بَأْسِكُمُ السِّلَاحَ أَنْ يُصِيبَكُمْ {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: ٨١] تخلصون له الطاعة.

[٨٢] {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [النحل: ٨٢] فإن أعرضوا فلا يلحق في ذلك عتيب وَلَا سِمَةُ تَقْصِيرٍ, {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: ٨٢]

[٨٣] {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: ٨٣] قَالَ السُّدِّيُّ يَعْنِي: مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -, {ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: ٨٣] يُكَذِّبُونَ بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْإِسْلَامُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي مَا عُدّ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ يُقِرُّونَ أَنَّهَا من الله, ثم قيل لهم: تصدقوا وامتثلوا لأمر الله فيها ينكرونها

<<  <  ج: ص:  >  >>