نَافِعٌ (مَيِّتًا) وَ (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) بالتشديد فيهن، وقرأ الآخرون بِالتَّخْفِيفِ (فَأَحْيَيْنَاهُ) أَيْ: كَانَ ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ، كَانَ مَيِّتًا بِالْكُفْرِ فَأَحْيَيْنَاهُ بالإيمان، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} [الأنعام: ١٢٢] يَسْتَضِيءُ بِهِ، {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: ١٢٢] عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، قِيلَ: النُّورُ هُوَ الْإِسْلَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٧] وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ بَيِّنَةٌ مِنَ اللَّهِ مَعَ الْمُؤْمِنِ، بِهَا يَعْمَلُ وَبِهَا يَأْخُذُ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي،؟ {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: ١٢٢] الْمَثَلُ صِلَةٌ، أَيْ كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ، {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: ١٢٢] يعني: من ظلمة الكفر {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢] مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ عبادة الأصنام.
[١٢٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: ١٢٣] أَيْ: كَمَا أَنَّ فُسَّاقَ مَكَّةَ أَكَابِرُهَا، كَذَلِكَ جَعَلْنَا فُسَّاقَ كَلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَهَا، أَيْ: عُظَمَاءَهَا، جَمْعُ أَكْبَرَ، مِثْلُ أَفْضَلَ وَأَفَاضِلَ، وَأَسُودَ وَأَسَاوِدَ، وَذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ ضُعَفَاءَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشُّعَرَاءِ: ١١١] وَجَعَلَ فُسَّاقَهُمْ أَكَابِرَهُمْ، {لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: ١٢٣] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْلَسُوا عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ مَكَّةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ لِكُلِّ مَنْ يُقْدِمُ: إِيَّاكَ وَهَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ كَاهِنٌ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنعام: ١٢٣] لِأَنَّ وَبَالَ مَكْرِهِمْ يَعُودُ عَلَيْهِمْ، {وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: ١٢٣] أَنَّهُ كَذَلِكَ.
[١٢٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام: ١٢٤] يَعْنِي: مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ: لَوْ كَانَتِ النُّبُوَّةُ حَقًّا لَكُنْتُ أَوْلَى بِهَا مِنْكَ، لِأَنِّي أَكْبَرُ مِنْكَ سِنًّا وَأَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: زَاحَمَنَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فِي الشَّرَفِ حَتَّى إِنَّا صِرْنَا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَتَّبِعُهُ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَنَا وَحْيٌ كَمَا يَأْتِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجل: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ} [الأنعام: ١٢٤] حُجَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} [الأنعام: ١٢٤] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ (رِسَالَتَهُ) عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (رِسَالَاتِهِ) بِالْجَمْعِ، يَعْنِي اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالرِّسَالَةِ. {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ} [الأنعام: ١٢٤] وهوان، {عِنْدَ اللَّهِ} [الأنعام: ١٢٤] أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} [الأنعام: ١٢٤] قِيلَ: صَغَارٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ شديد في الآخرة.
[قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ] لِلْإِسْلَامِ. . . .
[١٢٥] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: ١٢٥] أَيْ: يَفْتَحْ قَلْبَهُ وَيُنَوِّرْهُ حَتَّى يقبل الإسلام {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا} [الأنعام: ١٢٥] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (ضَيْقًا) ، بِالتَّخْفِيفِ ها هنا وَفِي الْفُرْقَانِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ: هَيْنٍ وَهَيِّنٍ وَلَيْنٍ ولين، {حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو بَكْرٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ أَيْضًا مِثْلُ: الدِّنَفِ وَالدَّنَفِ، والمصدر كَالطَّلَبِ وَمَعْنَاهُ ذَا حَرَجٍ، وَبِالْكَسْرِ الِاسْمِ وَهُوَ أَشَدُّ الضِّيقِ، يَعْنِي يَجْعَلْ قَلْبَهُ ضَيِّقًا حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ الْإِيمَانُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَيْسَ للخير فيه منفذ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا سَمِعَ ذِكْرَ اللَّهِ اشْمَأَزَّ قَلْبُهُ، وَإِذَا ذَكَرَ شيء مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ارْتَاحَ إِلَى ذلك {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥] وقرأ ابن كثير: (يصعد) بالتخفيف وسكون الصاد، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ (يَصَّاعَدُ) بِالْأَلِفِ، أَيْ يَتَصَاعَدُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (يَصَّعَّدُ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَالْعَيْنِ، أَيْ: يَتَصَعَّدُ، يَعْنِي: يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ كَمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ صُعُودُ السَّمَاءِ. وَأَصْلُ الصُّعُودِ الْمَشَقَّةُ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر: ١٧] أَيْ: عَقَبَةً شَاقَّةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute