للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: ١٢٠] أي: عَالَمٌ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ] مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. . . .

[١٢١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: ١٢١] قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَوْمُ الْأَحْزَابِ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ يَوْمُ أُحُدٍ، وقال مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ: «غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْزِلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها يمشي عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى أُحُدٍ فَجَعَلَ يَصُفُّ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَمَا يُقَوَّمُ القدح» . فَكَانَ مِنْ حَرْبِ أُحُدٍ مَا كَانَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ) تُنْزِلُ الْمُؤْمِنِينَ (مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) أَيْ: مَوَاطِنَ، وَمَوَاضِعَ لِلْقِتَالِ، يُقَالُ: بَوَّأْتُ الْقَوْمَ إِذَا وَطَّنْتُهُمْ، وَتَبَوَّءُوا هُمْ إذا توطؤوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) ، وَقَالَ: (أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) وَقِيلَ: تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: ١٢١]

[١٢٢] {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: ١٢٢] أَيْ: تَجْبُنَا وَتَضْعُفَا وَتَتَخَلَّفَا، وَالطَّائِفَتَانِ بَنُو سَلَمَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ وَبَنُو حارثة من الأوس، وكانتا جَنَاحَيِ الْعَسْكَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَقِيلَ: فِي تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رجلًا، فلما بلغوا الشوط اتخذ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ النَّاسِ وَرَجَعَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَقَالَ عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا وَأَوْلَادَنَا؟ فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِرٍ السُّلَمِيُّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ فِي نَبِيِّكُمْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، وَهَمَّتْ بَنُو سَلَمَةُ وَبَنُو حَارِثَةَ بِالِانْصِرَافِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَعَصَمَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَنْصَرِفُوا فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: ١٢٢] نَاصِرُهُمَا وَحَافِظُهُمَا، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٢٢]

[١٢٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: ١٢٣] وَبَدْرٌ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقِيلَ: اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ: كَانَتْ بَدْرٌ بِئْرًا لِرَجُلٍ يُقَالُ له بدر، {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣] جَمْعُ: ذَلِيلٍ، وَأَرَادَ بِهِ قِلَّةَ الْعَدَدِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ مَعَ قلة عددهم وعددهم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: ١٢٣]

[١٢٤] {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} [آل عمران: ١٢٤] اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ قتادة: كان يَوْمَ بَدْرٍ أَمَدَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} [الْأَنْفَالِ: ٩] ثُمَّ صَارُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ ثُمَّ صَارُوا خَمْسَةَ آلَافٍ كَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا، {بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [آل عمران: ١٢٤]

[١٢٥] {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: ١٢٥] فصبروا يوم بدر واتقوا فأمدهم الله بخمسة آلاف من

<<  <  ج: ص:  >  >>