للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ كَمَا أَنَّ إِخْرَاجَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ بِالْحَقِّ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ كَرِهَهُ فَرِيقٌ مِنْكُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ عَلَى كُرْهِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ، وَيُجَادِلُونَ فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: ٤] تَقْدِيرُهُ: وَعْدُ اللَّهِ الدَّرَجَاتِ لَهُمْ حَقٌّ يُنْجِزُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، فَأَنْجَزَ الْوَعْدَ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ. وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى، تَقْدِيرُهُ: امْضِ عَلَى الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ بِمَعْنَى القسم مجازها: وَالَّذِي أَخْرَجَكَ، لِأَنَّ (مَا) فِي موضع الذي، وجوابه {يُجَادِلُونَكَ} [الأنفال: ٦] وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْقَسَمُ، تَقْدِيرُهُ: يُجَادِلُونَكَ وَاللَّهِ الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى إِذْ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ إِذْ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِخْرَاجِ هُوَ إِخْرَاجُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَدْرٍ، أَيْ: كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِالْخُرُوجِ (مِنْ بَيْتِكَ) إِلَى الْمَدِينَةِ (بِالْحَقِّ) قِيلَ: بِالْوَحْيِ لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ٥] منهم، {لَكَارِهُونَ} [الأنفال: ٥]

[٦] {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ} [الأنفال: ٦] أي: في القتال: {بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: ٦] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْقِتَالِ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ فَنَسْتَعِدَّ لِقِتَالِهِمْ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ، فَذَلِكَ جدالهم بعدما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّكَ لَا تَصْنَعُ إِلَّا مَا أَمَرَكَ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُكَ فِي الْوَعْدِ، {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفال: ٦] لِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمُ الْقِتَالَ، {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: ٦] فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ: كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ يجادلونك في الحق بعد ما تَبَيَّنَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوهُ فِي الْحَقِّ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ حِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِكَرَاهِيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.

[٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: ٧] أَيْ: الْفَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا: أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعِيرِ وَالْأُخْرَى: أَبُو جَهْلٍ مع النفير، {وَتَوَدُّونَ} [الأنفال: ٧] أَيْ: تُرِيدُونَ {أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: ٧] يَعْنِي الْعِيرَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قِتَالٌ. وَالشَّوْكَةُ: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ. وَيُقَالُ السِّلَاحُ. {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ} [الأنفال: ٧] أي: يظهره ويعليه، {بِكَلِمَاتِهِ} [الأنفال: ٧] بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْقِتَالِ. وَقِيلَ: بِعِدَاتِهِ التي سبقت من إظهاره الدِّينِ وَإِعْزَازِهِ، {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: ٧] أَيْ: يَسْتَأْصِلَهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، يَعْنِي كُفَّارَ الْعَرَبِ.

[٨] {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} [الأنفال: ٨] ليثبت الإسلام، {وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: ٨] أَيْ: يُفْنِي الْكُفْرَ: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: ٨] الْمُشْرِكُونَ. وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي] مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ. . . .

[٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: ٩] تَسْتَجِيرُونَ بِهِ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَتَطْلُبُونَ منه الغوث والنصر {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ} [الأنفال: ٩] مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ مَدَدًا وَرِدْءًا لَكُمْ، {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: ٩] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ (مُرْدَفِينَ) بِفَتْحِ الدَّالِّ، أَيْ: أَرْدَفَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ، وَجَاءَ بِهِمْ مَدَدًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: مُتَتَابِعِينَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ، يُقَالُ: أردفته وردفته بمعنى تبعته.

[١٠] قَوْلُهُ تَعَالِي: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} [الأنفال: ١٠] يَعْنِي: الْإِمْدَادَ بِالْمَلَائِكَةِ، {إِلَّا بُشْرَى} [الأنفال: ١٠] أَيْ: بِشَارَةً {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ١٠]

[١١] {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ} [الأنفال: ١١] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (يَغْشَاكُمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ (النُّعَاسُ) رَفْعٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: ١٥٤] قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: (يُغْشِيكُمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وكسر الشين مخففا، {النُّعَاسَ} [الأنفال: ١١] نَصْبٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ} [يونس: ٢٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>