بَرَدٌ، فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ. قَالَ أَهْلُ النَّحْوِ. ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَوْلُهُ: (مِنَ السَّمَاءِ) لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِنْزَالِ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ جِبَالٍ) لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ مَا يُنْزِلُهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضُ تِلْكَ الْجِبَالِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ بَرَدٍ) لِلتَّجْنِيسِ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِبَالَ مَنْ جِنْسِ البرد. {فَيُصِيبُ بِهِ} [النور: ٤٣] يعني بالبرد {مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٤٣] فَيُهْلِكُ زُرُوعَهُ وَأَمْوَالَهُ {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٤٣] فَلَا يَضُرُّهُ، {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} [النور: ٤٣] يَعْنِي ضَوْءَ بَرْقِ السَّحَابِ، {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: ٤٣] من شدة ضوئه وبريقه.
[قوله تعالى يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ] لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ. . .
[٤٤] {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور: ٤٤] يُصَرِّفُهُمَا فِي اخْتِلَافِهِمَا وَتَعَاقُبِهِمَا يَأْتِي بالليل ويذهب بالنهار ويذهب بالليل, ويذهب بالنهار ويذهب بالليل، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} [النور: ٤٤] يَعْنِي فِي ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، {لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: ٤٤] يَعْنِي دَلَالَةً لِأَهْلِ الْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ.
[٤٥] قوله تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} [النور: ٤٥] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (خَالِقُ كُلِّ) بِالْإِضَافَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (خَلَقَ كُلَّ) على الفعل، {مِنْ مَاءٍ} [النور: ٤٥] يَعْنِي مِنْ نُطْفَةٍ وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ حَيَوَانٍ يُشَاهَدُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَلَا الْجِنُّ، لِأَنَّا لَا نُشَاهِدُهُمْ. وَقِيلَ: أَصْلُ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَاءً ثُمَّ جَعَلَ بَعْضَهُ رِيحًا فَخَلَقَ مِنْهَا الْمَلَائِكَةَ، وَبَعْضَهُ نَارًا فَخَلَقَ مِنْهَا الْجِنَّ، وَبَعْضَهَا طِينًا فَخَلَقَ مِنْهَا آدَمَ، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: ٤٥] كَالْحَيَّاتِ وَالْحِيتَانِ وَالدِّيدَانِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} [النور: ٤٥] مِثْلُ بَنِي آدَمَ وَالطَّيْرِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥] كَالْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مِثْلَ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا فِي الصُّورَةِ كَالَّتِي يَمْشِي عَلَى الْأَرْبَعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: (مَنْ يَمْشِي) ، وَ (مَنْ) إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَعْقِلُ دُونَ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْبَهَائِمِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ كُلَّ دَابَّةٍ، فَدَخْلَ فِيهِ النَّاسُ وَغَيْرُهُمْ، وَإِذَا جَمَعَ اللَّفْظُ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ تُجْعَلُ الْغَلَبَةُ لِمَنْ يَعْقِلُ. {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: ٤٥]
[٤٦] {لَقَدْ أَنْزَلْنَا} [النور: ٤٦] إِلَيْكَ، {آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النور: ٤٦]
[٤٧] {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} [النور: ٤٧] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَهُ، {ثُمَّ يَتَوَلَّى} [النور: ٤٧] يُعْرِضُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، {فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: ٤٧] أَيْ مِنْ بَعْدِ قَوْلِهِمْ آمَنَّا، وَيَدْعُو إِلَى غَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ. قال الله تعالى: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٤٧] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بِشْرٍ الْمُنَافِقِ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: نَتَحَاكَمُ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَحِيفُ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute