للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَائِنٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، {أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: ٢٣٠] أَيْ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاحُ وحُسن الصُّحْبَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ عَلِمَا أن نكاحهما على غير دلسة، وأراد بالدلسة: التحليل، وذهب جماعة إلى أنه إذا لم يُشترط فِي النِّكَاحِ مَعَ الثَّانِي أَنَّهُ يُفَارِقُهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي عزمها ذلك {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٣٠] يَعْنِي يَعْلَمُونَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تعالى به.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ] فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. . . .

[٢٣١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣١] أي: أشرفْنَ على أن تبين بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا، فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ مُقَارَبَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] حَقِيقَةُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْبُلُوغُ يَتَنَاوَلُ المعنيين، يقال: بلغت المدينة إذا قربت منها إذا دخلتها، {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣١] أي: راجعوهن، {بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] قِيلَ: الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ، {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] أَيِ: اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتهنَّ فيكن أملك لأنفسهن، {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] أَيْ: لَا تَقْصِدُوا بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: ٢٣١] أَيْ: أَضَرَّ بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى. {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آَيات اللَّهِ هُزُوًا، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ كنتُ لَاعبًا، وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذلك {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٣١] بِالْإِيمَانِ {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة: ٢٣١] يعني: القرآن، {وَالْحِكْمَةِ} [البقرة: ٢٣١] يَعْنِي: السُّنَّةَ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ {يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٣١]

[٢٣٢] {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ، وَالْعَضْلُ: الْمَنْعُ، وَأَصْلُهُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، يُقَالُ: عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا نَشِبَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَالدَّاءُ الْعُضَالُ الَّذِي لَا يُطاق علاجه {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٢] بِعَقْدٍ حَلَالٍ وَمَهْرٍ جَائِزٍ، {ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٢] أي: الَّذِي ذُكر مِنَ النَّهْيِ {يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: ٢٣٢] وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُوَحَّدًا وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُخَاطَبَةِ الجمع ذلكم {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ} [البقرة: ٢٣٢] أي: خير لكم، {وَأَطْهَرُ} [البقرة: ٢٣٢] لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الرِّيبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ منهما علاقة حيث لَمْ يؤمن أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا، وَلَمْ يؤمن مِنَ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْهُمَا مَا لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا بَرِيئَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْثَمُونَ، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٣٢] أَيْ: يَعْلَمُ مِنْ حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا لَا تعلمون أنتم.

[٢٣٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] أي: الْمُطَلَّقَاتُ اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَادٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ (يُرْضِعْنَ) خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْإِرْضَاعُ إِذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ يرضع الْوَلَدَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطَّلَاقِ: ٦] فَإِنْ رَغِبَتِ الْأُمُّ فِي الْإِرْضَاعِ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غيرها، {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ: سَنَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْكَمَالَ لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] وَقِيلَ. إِنَّمَا قَالَ كَامِلَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّي بَعْضَ الْحَوَلِ حَوْلًا وَبَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وإنّما هي شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَقَالَ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الْبَقَرَةِ: ٢٠٣] وَإِنَّمَا يُتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ وَيُقَالُ أَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>