الْهَيْبَةِ حَتَّى لَا يَصِلَ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَيُوقِظُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَقْدَتِهِمْ، {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: ١٨] خَوْفًا قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْآخَرُونَ بِتَخْفِيفِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّعْبَ كَانَ لِمَاذَا؟ قِيلَ: مِنْ وَحْشَةِ الْمَكَانِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِأَنَّ أَعْيُنَهُمْ كَانَتْ مُفَتَّحَةً كَالْمُسْتَيْقِظِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَهُمْ نِيَامٌ وَقِيلَ لِكَثْرَةِ شُعُورِهِمْ وَطُولِ أَظْفَارِهِمْ وَلِتَقَلُّبِهِمْ مِنْ غَيْرِ حِسٍّ ولا شعور. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَهُمْ بالرعب لئلا يراهم أحد.
[١٩] قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} [الكهف: ١٩] أَيْ كَمَا أَنَمْنَاهُمْ فِي الْكَهْفِ وَحَفِظْنَا أَجْسَادَهُمْ مِنَ الْبِلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ مِنَ النَّوْمَةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْمَوْتَ، {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: ١٩] لِيَسْأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاللَّامُ فِيهِ لَامُ الْعَاقِبَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا للسؤال، {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} [الكهف: ١٩] وَهُوَ رَئِيسُهُمْ مَكْسِلْمِينَا، {كَمْ لَبِثْتُمْ} [الكهف: ١٩] فِي نَوْمِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَنْكَرُوا طُولَ نَوْمِهِمْ. وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ رَاعَهُمْ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالُوا ذلك، {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا} [الكهف: ١٩] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا الْكَهْفَ غُدْوَةً فَقَالُوا فَانْتَبَهُوا حِينَ انْتَبَهُوا عَشِيَّةً فَقَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا ثُمَّ نَظَرُوا وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ، فقالوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: ١٩] فلما نظروا إلى شُعُورِهِمْ وَأَظْفَارِهِمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَبِثُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: ١٩] وَقِيلَ: إِنَّ رَئِيسَهُمْ مَكْسِلْمِينَا لَمَّا سَمِعَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ قَالَ. دَعُوا الِاخْتِلَافَ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ، {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} [الكهف: ١٩] يعني تمليخا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِوَرْقِكُمْ سَاكِنَةَ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بكسرهما وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةٌ كَانَتْ أَوْ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ. {إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: ١٩] قِيلَ: هِيَ طَرْسُوسُ وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَسُوسُ فَسَمَّوْهَا فِي الْإِسْلَامِ طَرْسُوسَ، {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: ١٩] أَيْ: أَحَلَّ طَعَامًا حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَبَبٍ حَرَامٍ، وَقِيلَ: أَمَرُوهُ أَنْ يَطْلُبَ ذَبِيحَةَ مُؤْمِنٍ وَلَا يَكُونَ مِنْ ذَبِيحَةِ مَنْ يَذْبَحُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَاكُ: أَطْيَبُ طَعَامًا. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: أَجْوَدُ طَعَامًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَكْثَرُ، وَأَصْلُ الزَّكَاةِ الزِّيَادَةُ. وَقِيلَ: أَرْخَصُ طَعَامًا. {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: ١٩] أَيْ قُوتٍ وَطَعَامٍ تَأْكُلُونَهُ، {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: ١٩] وَلِيَتَرَفَّقْ فِي الطَّرِيقِ وَفِي الْمَدِينَةِ وَلْيَكُنْ فِي سَتْرٍ وَكِتْمَانٍ، {وَلَا يُشْعِرَنَّ} [الكهف: ١٩] ولا يعلمن {بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: ١٩] مِنَ النَّاسِ.
[٢٠] {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} [الكهف: ٢٠] أي: يعلموا بمكانكم، {يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف: ٢٠] قال ابن جريج: يشتموكم ويؤذوكم بِالْقَوْلِ. وَقِيلَ: يَقْتُلُوكُمْ، وَقِيلَ: كَانَ من عادتهم الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ أَخْبَثُ الْقَتْلِ. وَقِيلَ: يَضْرِبُوكُمْ، {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف: ٢٠] أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ، {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: ٢٠] إن عدتم إليه.
[قوله تعالى وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ] وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا. . . .
[٢١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا} [الكهف: ٢١] أي: أطلعنا، {عَلَيْهِمْ} [الكهف: ٢١] يُقَالُ: عَثَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ وَأَعْثَرْتُ غَيْرِي أَيْ أَطْلَعْتُهُ، {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الكهف: ٢١] يعني أصحاب بيدروس الحاكم حين بعثوا الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ، {وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} [الكهف: ٢١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. يَتَنَازَعُونَ فِي الْبُنْيَانِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَبْنِي عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ عَلَى دِينِنَا، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: نَبْنِي عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ ديننا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَنَازَعُوا فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: الْبَعْثُ لِلْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ، وَقَالَ قَوْمٌ لِلْأَرْوَاحِ دُونَ الْأَجْسَادِ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَرَاهُمْ أَنَّ الْبَعْثَ لِلْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ.
وَقِيلَ: تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَقِيلَ: فِي عَدَدِهِمْ. {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} [الكهف: ٢١] بَيْدَرُوسُ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ، {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: ٢١]
[٢٢] {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: ٢٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute