حَذَرًا مِنْ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْكَافِرُ يُعْرِضُ عَمَّا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، يَصِفُهُ بِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: ٢١]
[٢٢] {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر: ٢٢] الْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ مِمَّا لَمْ يُعَايِنُوهُ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ, وَالشَّهَادَةُ مَا شَاهَدُوهُ وَمَا عَلِمُوهُ، {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: ٢٢]
[٢٣] {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: ٢٣] الطَّاهِرُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ الْمُنَزَّهُ عَمًّا لَا يَلِيقُ بِهِ، {السَّلَامُ} [الحشر: ٢٣] الَّذِي سَلِمَ مِنَ النَّقَائِصِ، {الْمُؤْمِنُ} [الحشر: ٢٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الَّذِي أَمِنَ النَّاسَ مِنْ ظُلْمِهِ وَأَمِنَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عَذَابِهِ، وهو مِنَ الْأَمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّخْوِيفِ كَمَا قَالَ: {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْشٍ: ٤] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُصَدِّقُ لِرُسُلِهِ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ, وَالْمُصَدِّقُ لِلْمُؤْمِنِينَ بما وعدهم من الثواب، والكافرين بما وعدهم من العقاب {الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: ٢٣] الشَّهِيدُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٌ، يُقَالُ: هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ إِذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْءِ، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْأَصْلِ مُؤَيْمِنٌ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً، كَقَوْلِهِمْ أَرَقْتُ وَهَرَقْتُ، وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِنُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَمِينُ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الرَّقِيبُ الْحَافِظُ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُصَدِّقُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: الْقَاضِي.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكُتُبِ وَاللَّهُ أعلم بتأويله.
{الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} [الحشر: ٢٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَبَّارُ هُوَ الْعَظِيمُ، وَجَبَرُوتُ اللَّهِ عَظَمَتُهُ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ صِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْجَبْرِ وهو الإصلاح، يقال: جبرت الكسر والأمر، وَجَبَرْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَصْلَحْتُهُ بَعْدَ الْكَسْرِ، فَهُوَ يُغْنِي الْفَقِيرَ وَيُصْلِحُ الْكَسِيرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ النَّاسَ وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا أَرَادَ.
وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَعْنَى الْجَبَّارِ فَقَالَ: هُوَ الْقَهَّارُ الَّذِي إِذَا أَرَادَ أَمْرًا فَعَلَهُ لَا يَحْجِزُهُ عَنْهُ حَاجِزٌ.
{الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: ٢٣] الَّذِي تَكَبَّرَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ.
وَقِيلَ: الْمُتَعَظِّمُ عَمًّا لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَصْلُ الْكِبْرِ وَالْكِبْرِيَاءِ الِامْتِنَاعُ.
وَقِيلَ: ذُو الْكِبْرِيَاءِ وَهُوَ الْمَلِكُ، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٣]
[٢٤] {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} [الحشر: ٢٤] الْمُقَدِّرُ وَالْمُقَلِّبُ لِلشَّيْءِ بِالتَّدْبِيرِ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] {الْبَارِئُ} [الحشر: ٢٤] المنشىء لِلْأَعْيَانِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ {الْمُصَوِّرُ} [الحشر: ٢٤] الْمُمَثِّلُ لِلْمَخْلُوقَاتِ بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بعضها عن بعض.
هَذِهِ صُورَةُ الْأَمْرِ أَيْ مِثَالُهُ، فَأَوَّلًا يَكُونُ خَلْقًا ثُمَّ بَرْءًا ثُمَّ تَصْوِيرًا.
{لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: ٢٤]
[سورة الممتحنة]
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي] وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ. . .