للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّوْبَةُ هِيَ الِاسْتِغْفَارُ، وَقِيلَ: أَنِ اسْتَغْفِرُوا إليه في المستأنف يمنعكم منعا حَسَنًا، يُعَيِّشْكُمْ عَيْشًا حَسَنًا فِي خَفْضٍ وَدَعَةٍ وَأَمْنٍ وَسَعَةٍ، قَالَ بعضهم: العيش الحسن هو الرضى بِالْمَيْسُورِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَقْدُورِ. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [هود: ٣] إِلَى حِينِ الْمَوْتِ، {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: ٣] أَيْ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي عَمَلٍ صَالِحٍ فِي الدُّنْيَا أَجْرَهُ وَثَوَابَهُ في الآخرة. وَقِيلَ: يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ يَعْنِي: مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَهُ اللَّهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ عَلَى طَاعَتِهِ. {وَإِنْ تَوَلَّوْا} [هود: ٣] أَعْرَضُوا، {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: ٣] وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

[٤] {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [هود: ٤]

[٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: ٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الأخس بْنِ شُرَيْقٍ، وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُحِبُّ وَيَنْطَوِي بِقَلْبِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُ. قَوْلُهُ: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: ٥] يُخْفُونَ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الشحناء والعداوة، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: نزلت هذه الآية فِي بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ثنى صدره وحنى ظهره وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَغَطَّى وَجْهَهُ؛ كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَحْنُونَ صُدُورَهُمْ كَيْ لَا يَسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا ذِكْرَهُ، وَقِيلَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْكَفَّارِ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، وَيُرْخِي سِتْرَهُ، وَيَحْنِي ظَهْرَهُ، وَيَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ، وَيَقُولُ: هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قَلْبِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَثْنُونَ أَيْ: يُعَرِضُونَ بِقُلُوبِهِمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْتُ عِنَانِي. وَقِيلَ: يَعْطِفُونَ، وَمِنْهُ ثَنِيُّ الثَّوْبِ، {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} [هود: ٥] أي: من رسول الله. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا، {أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود: ٥] يُغَطُّونَ رُؤُوسَهُمْ بِثِيَابِهِمْ، {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود: ٥] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا: إِنَّ الَّذِينَ أَضْمَرُوا عَدَاوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى علينا حالهم.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ] رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا. . . . .

[٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} [هود: ٦] أَيْ: لَيْسَ دَابَّةٌ، (مِنْ) صِلَةٌ، وَالدَّابَّةُ: كُلُّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ: {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] أَيْ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ فَضْلًا، وَهُوَ إِلَى مَشِيئَتِهِ إِنْ شَاءَ رَزَقَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْزُقْ، وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى مِنْ أَيْ: مِنَ اللَّهِ رِزْقُهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا. {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: ٦] قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ - وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -: مُسْتَقَرَّهَا الْمَكَانُ الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ، وَتَسْتَقِرُّ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمُسْتَوْدَعَهَا: الْمَوْضِعُ الَّذِي تُدْفَنُ فِيهِ إِذَا مَاتَتْ، وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُسْتَقَرُّ: أَرْحَامُ الْأُمَّهَاتِ وَالْمُسْتَوْدَعُ الْمَكَانُ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْمُسْتَقَرُّ أَرْحَامُ الْأُمَّهَاتِ وَالْمُسْتَوْدَعُ أَصْلَابُ الْآبَاءِ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بن جبير وعلي بن طَلْحَةَ وَعِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: الْمُسْتَقَرُّ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ وَالْمُسْتَوْدَعُ الْقَبْرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الْفُرْقَانِ: ٧٦] {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: ٦] أَيْ: كُلٌّ مُثْبَتٌ فِي اللَّوْحِ المحفوظ قبل أن خلقها.

[٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧] قَبْلَ أَنْ خَلْقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ {لِيَبْلُوَكُمْ} [هود: ٧] لِيَخْتَبِرَكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ، {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧] عمل بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ الله تعالى. {وَلَئِنْ قُلْتَ} [هود: ٧] يا محمد، {إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [هود: ٧] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (سَاحِرٌ) يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[٨] {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} [هود: ٨] إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ، وَأَصْلُ الْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَى انْقِرَاضِ أُمَّةٍ وَمَجِيءِ أُمَّةٍ أُخْرَى {لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود: ٨] أي: أَيُّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ؟ يَقُولُونَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>