للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: يَعْلَمُ مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ وَمَا يُشَاهِدُونَهُ لَا يَغِيبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ، {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ٧٣]

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ] أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. . . .

[٧٤] ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: ٧٤] قَرَأَ يَعْقُوبُ (آزَرُ) بِالرَّفْعِ، يَعْنِي: (آزَرُ) ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالنَّصْبِ، وَهُوَ اسم أعجمي لا ينصرف فينصب فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ. آزَرُ اسْمُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ تَارِخُ أيضا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُ: آزَرُ لَقَبٌ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَاسْمُهُ تَارِخُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: هُوَ سَبٌّ وَعَيْبٌ، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامِهِمُ المعوج، وقيل: معناه الشيخ الهرم بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ: آزَرُ اسْمُ صَنَمٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ تقديره {أَتَتَّخِذُ} [الأنعام: ٧٤] آزَرَ إِلَهَا قَوْلُهُ {أَصْنَامًا آلِهَةً} [الأنعام: ٧٤] دُونَ اللَّهِ، {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٧٤] أي: في خطأ بين.

[٧٥] ، {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ} [الأنعام: ٧٥] أَيْ: كَمَا أَرَيْنَاهُ الْبَصِيرَةَ فِي دِينِهِ، وَالْحَقَّ فِي خِلَافِ قَوْمِهِ كذلك نريه {مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: ٧٥] وَالْمَلَكُوتُ الْمُلْكُ زِيدَتْ فِيهِ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْجَبَرُوتِ وَالرَّحَمُوتِ وَالرَّهَبُوتِ, قَالَ ابن عباس: يعني خلق السماوات وَالْأَرْضَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جبير: يعني آيات السماوات وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُقِيمَ عَلَى صخر وكشف له عن ملكوت السماوات وَالْأَرْضِ حَتَّى الْعَرْشِ وَأَسْفَلَ الْأَرَضِينَ وَنَظَرَ إِلَى مَكَانِهِ فِي الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: ٢٧] يَعْنِي. أَرَيْنَاهُ مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ، وقال قتادة: ملكوت السماوات. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، وَمَلَكُوتُ الْأَرْضِ. الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالْبِحَارُ، {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: ٧٥] عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى، وَمَعْنَاهُ: نُرِيهِ ملكوت السماوات وَالْأَرْضِ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.

[٧٦] ، {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام: ٧٦] أي: دخل الليل، يُقَالُ: جَنَّ اللَّيْلُ وَأَجَنَّ اللَّيْلُ، وَجَنَّهُ اللَّيْلُ، وَأَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ يَجِنُّ جُنُونًا وَجِنَانًا إِذَا أَظْلَمَ وَغَطَّى كُلَّ شَيْءٍ، وَجُنُونُ اللَّيْلِ سواده، {رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦] اختلفوا فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ فَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقَالُوا: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْشِدًا طَالِبًا لِلتَّوْحِيدِ حَتَّى وَفَّقَهُ الله وَآتَاهُ رُشْدَهُ فَلَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ فِي حَالِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَيْضًا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ طُفُولَتِهِ قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ كُفْرًا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ رَسُولٌ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَهُوَ لِلَّهِ مُوَحِّدٌ وَبِهِ عَارِفٌ، وَمِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَرِيءٌ، وَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ هَذَا عَلَى مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَطَهَّرَهُ وَآتَاهُ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَأَخْبَرَ عَنْهُ فَقَالَ: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصَّافَّاتُ: ٨٤] وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: ٧٥] أَفَتَرَاهُ أَرَاهُ الْمَلَكُوتَ لِيُوقِنَ فَلَمَّا أَيْقَنَ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ: هَذَا رَبِّيَ مُعْتَقِدًا؟! فَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>