للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١١٠] {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [طه: ١١٠] الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ، أَيْ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا بين أيديهم وَمَا خَلْفَهُمْ وَمَا خَلَّفُوا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: ١١٠] قِيلَ: الْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إِلَى (مَا) أَيْ: هُوَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَهُ. وَقِيلَ: الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى (اللَّهِ) لِأَنَّ عِبَادَهُ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.

[١١١] {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: ١١١] أي ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ: عَانٍ، وَقَالَ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: هُوَ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: ١١١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَالظُّلْمُ هُوَ الشِّرْكُ.

[١١٢] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ} [طه: ١١٢] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ "فَلَا يَخَفْ" مَجْزُومًا عَلَى النَّهْيِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْمَلْ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (فَلَا يخافُ) مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِ، {ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: ١١٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَخَافُ أن يزداد على سيئاته لا أن يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ حَسَنَاتِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ذَنْبُ مُسِيْءٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يُؤْخَذُ بِذَنْبٍ لم يعمله وتبطل حَسَنَةٌ عَمِلَهَا، وَأَصِلُ الْهَضْمِ النَّقْصُ وَالْكَسْرُ، وَمِنْهُ هَضْمُ الطَّعَامِ.

[١١٣] {وَكَذَلِكَ} [طه: ١١٣] أَيْ كَمَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ السورة، {أَنْزَلْنَاهُ} [طه: ١١٣] يَعْنِي أَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: ١١٣] يعني بلسان العرب، {وَصَرَّفْنَا} [طه: ١١٣] يعني بينا {فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} [طه: ١١٣] أَيْ صَرَّفْنَا الْقَوْلَ فِيهِ بِذِكْرِ الوعيد، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [طه: ١١٣] أَيْ يَجْتَنِبُونَ الشِّرْكَ، {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: ١١٣] أَيْ يُجَدِّدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ عِبْرَةً وعظة فيعتبروا ويتعظوا بذكر عتاب الله للأمم الخالية.

[قَوْلِهِ تَعَالَى فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ. . . .]

[١١٤] {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: ١١٤] جَلَّ اللَّهُ عَنْ إِلْحَادِ الْمُلْحِدِينَ وَعَمَّا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ، {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: ١١٤] أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جبريل بالقرآن يبدر فَيَقْرَأُ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مِمَّا يُرِيدُ مِنَ التِّلَاوَةِ، وَمَخَافَةَ الِانْفِلَاتِ وَالنِّسْيَانِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} [طه: ١١٤] أَيْ لَا تَعْجَلْ بِقِرَاءَتِهِ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: ١١٤] أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْإِبْلَاغِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [الْقِيَامَةِ: ١٦] وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: (نَقْضِي) بِالنُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِ الْيَاءِ: (وحيه) بالنصب، وقال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَا تُقْرِئْهُ أَصْحَابَكَ وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ مَعَانِيهِ، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤] يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ. وَقِيلَ عِلْمًا إِلَى مَا عَلِمْتُ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قال: اللهم زدني إيمانًا وَيَقِينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>