للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كثيرًا» (١) .

[٨٣] {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة: ٨٣] أَيْ: رَدَّكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، {إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: ٨٣] يعني: من المخلفين، إنما قَالَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ كل من تخلف من غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ مُنَافِقًا، {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ} [التوبة: ٨٣] مَعَكَ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى، {فَقُلْ} [التوبة: ٨٣] لَهُمْ {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٣] فِي سَفَرٍ، {وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: ٨٣] في غزاة أخرى {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة: ٨٣] أَيْ: مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَقِيلَ مَعَ الزمنَى وَالْمَرْضَى، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَقِيلَ: مَعَ الْخَالِفِينَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ صَاحِبٌ خَالِفٌ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا، {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: " أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ " فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: " إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا "، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انصرف فلم يلبث إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤] إلى قوله: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٨٤] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أعلم» (٢) .

[٨٤] قَوْلُهُ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤] لا تَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَا تَتَوَلَّ دَفْنَهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَامَ فَلَانٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ إِذَا كَفَاهُ أَمْرَهُ. {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: ٨٤] فَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا عَلَى مُنَافِقٍ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى قُبِضَ.

[٨٥] {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ٨٥]

[٨٦] {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} [التوبة: ٨٦] ذَوُو الْغِنَى وَالسَّعَةِ مِنْهُمْ فِي القعود والتخلف, {وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٨٦] في رحالهم.

[قوله تعالى رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى] قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ. . . .

[٨٧] {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: ٨٧] يَعْنِي: النِّسَاءَ، وَقِيلَ: مَعَ أَدْنِيَاءِ النَّاسِ وَسَفَلَتِهِمْ، يُقَالُ: فَلَانٌ خَالِفَةُ قَوْمِهِ إِذَا كَانَ دُونَهُمْ، {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨٧]

[٨٨] {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} [التوبة: ٨٨]


(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٢٨٠ ومسلم في الفضائل رقم (٢٣٥٩) ١٤ / ١٨٣٢ والمصنف في شرح السنة١٤ / ٣٦٨.
(٢) أخرجه البخاري في الجنائز ٣ / ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>