للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: معناه الْقَدِيمَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُمْ قبيلة من عاد.

[٨] {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: ٨] وَسُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِهَذَا لِأَنَّهُمْ كانوا أَهْلَ عُمُدٍ وَخِيَامٍ وَمَاشِيَةٍ سَيَّارَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِطُولِ قَامَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يعني طولهم مثل العماد. وَقَوْلُهُ: (لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) ، أَيْ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي الطُّولِ وَالْقُوَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥] وَقِيلَ: سُمُّوا ذَاتَ الْعِمَادِ لِبِنَاءٍ بناه بعضهم.

[٩] {وَثَمُودَ} [الفجر: ٩] أَيْ وَبِثَمُودَ، {الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ} [الفجر: ٩] قطعوا الحجر، {بِالْوَادِ} [الفجر: ٩] يَعْنِي وَادِي الْقُرَى كَانُوا يَقْطَعُونَ الجبال فيجعلون فيها بيوتا.

[١٠] {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر: ١٠] سُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُعَذِّبُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سورة ص (١) .

[١١] {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: ١١] يَعْنِي عَادًا وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ عَمِلُوا فِي الْأَرْضِ بِالْمَعَاصِي وَتَجَبَّرُوا.

[١٢ - ١٣] {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ - فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: ١٢ - ١٣] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي لَوْنًا مِنَ الْعَذَابِ صَبَّهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هَذَا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ السَّوْطَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ الْعَذَابِ، فَجَرَى ذَلِكَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ. قال الزَّجَّاجُ: جَعَلَ سَوْطَهُ الَّذِي ضَرَبَهُمْ بِهِ الْعَذَابَ.

[١٤] {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِحَيْثُ يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد. قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَلَيْهِ طَرِيقُ الْعِبَادِ لَا يَفُوتُهُ أَحَدٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: مَمَرُّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَالْمِرْصَادُ وَالْمَرْصَدُ: الطَّرِيقُ. وَقِيلَ: مَرْجِعُ الْخَلْقِ إِلَى حُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَإِلَيْهِ مَصِيرُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ: يَرْصُدُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ كَمَا لَا يَفُوتُ مَنْ هُوَ بِالْمِرْصَادِ.

[١٥] {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} [الفجر: ١٥] امتحنه، {رَبُّهُ} [الفجر: ١٥] بالنعمة، {فَأَكْرَمَهُ} [الفجر: ١٥] بالمال، {وَنَعَّمَهُ} [الفجر: ١٥] بِمَا وَسَّعَ عَلَيْهِ، {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر: ١٥] بِمَا أَعْطَانِي.

[١٦] {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} [الفجر: ١٦] بالفقر، {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: ١٦] أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ. وَقِيلَ: قَدَّرَ بِمَعْنَى قَتَّرَ وَأَعْطَاهُ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ. {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: ١٦] أَذَلَّنِي بِالْفَقْرِ، وَهَذَا يَعْنِي بِهِ الْكَافِرَ تَكُونُ الْكَرَامَةُ وَالْهَوَانُ عِنْدَهُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْحَظِّ فِي الدُّنْيَا وقلته.

[قوله تعالى كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. . .]

[١٧] فقال: {كَلَّا} [الفجر: ١٧] لم أبتله بالمغنى لِكَرَامَتِهِ وَلَمْ أَبْتَلِهِ بِالْفَقْرِ لِهَوَانِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْإِهَانَةَ لَا تَدُورُ عَلَى الْمَالِ وَسَعَةِ الرِّزْقِ، وَلَكِنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى بِتَقْدِيرِهِ فَيُوَسِّعُ على الكافر لا لكرامته، وبقدر عَلَى الْمُؤْمِنِ لَا لِهَوَانِهِ، إِنَّمَا يكرم المرء


(١) آية (١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>