قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: ١٥] يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا مَوَاعِيدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ بِغَنِيمَةِ خَيْبَرَ خَاصَّةً، وقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي أَمْرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ألا يسير منهم أحد، قال ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} [التَّوْبَةِ: ٨٣] وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ التأويل، {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [الفتح: ١٥] إِلَى خَيْبَرَ، {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح: ١٥] أَيْ مِنْ قَبْلِ مَرْجِعِنَا إِلَيْكُمْ أَنَّ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا نَصِيبٌ، {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} [الفتح: ١٥] أي يمنعكم الحسد أَنْ نُصِيبَ مَعَكُمُ الْغَنَائِمَ، {بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ} [الفتح: ١٥] لَا يَعْلَمُونَ عَنِ اللَّهِ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الدِّينِ، {إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: ١٥] مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ صِدْقِ اللَّهِ والرسول.
[قوله تعالى قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ] إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ. . .
[١٦] {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح: ١٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ. وَقَالَ كَعْبٌ: هُمُ الرُّومُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَجَمَاعَةٌ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. قال زافر بْنُ خَدِيجٍ: كُنَّا نَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُمْ حَتَّى دَعَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هم. وقال ابن جريش دَعَاهُمْ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى قِتَالِ فَارِسَ. وَقَالَ أَبُو هريرة: لم يأت تأويل هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدُ. {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} [الفتح: ١٦] يعني الجنة، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [الفتح: ١٦] تُعْرِضُوا {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ} [الفتح: ١٦] عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ١٦] وَهُوَ النَّارُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَهْلُ الزَّمَانَةِ: كَيْفَ بنا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
[١٧] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: ١٧] يَعْنِي فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، {وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ١٧]
[١٨] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح: ١٨] بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا ولا يفروا، {تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨] وكانت سمرة، {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: ١٨] مِنَ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ} [الفتح: ١٨] الطُّمَأْنِينَةَ وَالرِّضَا، {عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ١٨] يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ.
[١٩] {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح: ١٩] مِنْ أَمْوَالِ يَهُودِ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ ذَاتَ عَقَارٍ وَأَمْوَالٍ، فَاقْتَسَمَهَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: ١٩]
[٢٠] {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: ٢٠] وَهِيَ الْفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: ٢٠] يَعْنِي خَيْبَرَ، {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح: ٢٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute