للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ: قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بالكواكب» (١) .

[٥١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} [الفرقان: ٥١] رسولا ينذرهم، لكن بَعَثْنَاكَ إِلَى الْقُرَى كُلِّهَا وَحَمَّلْنَاكَ ثِقَلَ النِّذَارَةِ جَمِيعِهَا لِتَسْتَوْجِبَ بِصَبْرِكَ على مَا أَعْدَدْنَا لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ.

[٥٢] {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الفرقان: ٥٢] فيما يدعونك فيه مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ وَمُدَاهَنَتِهِمْ. {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: ٥٢] أي: بالقرآن، {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: ٥٢] شَدِيدًا.

[٥٣] {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الفرقان: ٥٣] أي: خَلَطَهُمَا وَأَفَاضَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ: أَرْسَلَهُمَا فِي مَجَارِيهِمَا وَخَلَاهُمَا كَمَا يُرْسَلُ الْخَيْلُ فِي الْمَرَجِ، وَأَصْلُ الْمَرَجِ الْخَلْطُ وَالْإِرْسَالُ، يُقَالُ: مَرَجْتُ الدَّابَّةَ وَأَمْرَجْتُهَا إِذَا أَرْسَلْتُهَا فِي الْمَرْعَى وَخَلَّيْتُهَا تَذْهَبُ حَيْثُ تشاء، {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان: ٥٣] شديد العذوبة والفرات أَعْذَبُ الْمِيَاهِ، {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: ٥٣] شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ. وَقِيلَ: أُجَاجٌ أَيْ مر، {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} [الفرقان: ٥٣] أَيْ: حَاجِزًا بِقُدْرَتِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْمِلْحِ وَلَا الْمِلْحُ بِالْعَذْبِ، {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٥٣] أَيْ: سِتْرًا مَمْنُوعًا فَلَا يَبْغِيَانِ، فلا يُفْسِدُ الْمِلْحُ الْعَذْبَ.

[٥٤] {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ} [الفرقان: ٥٤] مِنَ النُّطْفَةِ، {بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] أي: جعله ذا نسب وذا صهر، قِيلَ. النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نكاحه والصهر مَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ، فَالنَّسَبُ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالصِّهْرُ مَا لَا يُوجِبُهَا، وَقِيلَ- وَهُوَ الصَّحِيحُ- النَّسَبُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرُ الْخُلْطَةُ الَّتِي تُشْبِهُ الْقَرَابَةَ، وَهُوَ السَّبَبُ الْمُحَرِّمُ للنكاح، {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: ٥٤]

[٥٥] {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان: ٥٥] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، {مَا لَا يَنْفَعُهُمْ} [الفرقان: ٥٥] إن عبدوه، {وَلَا يَضُرُّهُمْ} [الفرقان: ٥٥] إِنْ تَرَكُوهُ، {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان: ٥٥] أَيْ: مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى رَبِّهِ بالمعاصي. وقال الزَّجَّاجُ: أَيْ يُعَاوِنُ الشَّيْطَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ لِأَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْأَصْنَامَ مُعَاوَنَةٌ لِلشَّيْطَانِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا أَيْ هَيِّنًا ذَلِيلًا كَمَا يُقَالُ: الرَّجُلُ جَعَلَنِي بِظَهِيرٍ أَيْ جَعَلَنِي هَيِّنًا. ويقال: ظهر بِهِ إِذَا جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فلم يلتفت إليه.

[قوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. .] . .

[٥٦] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفرقان: ٥٦] أَيْ: مُنْذِرًا.

[٥٧] {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} [الفرقان: ٥٧] أي عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ، {مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: ٥٧] فَتَقُولُوا إِنَّمَا يَطْلُبُ مُحَمَّدٌ أَمْوَالُنَا بِمَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ فَلَا نَتَّبِعُهُ، {إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان: ٥٧] هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، مَجَازُهُ: لَكِنْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى: لَا أَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي أَجْرًا وَلَكِنْ لَا أَمْنَعُ مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاتِّخَاذِ السَّبِيلِ إِلَى جَنَّتِهِ.

[٥٨] {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: ٥٨] أَيْ صَلِّ لَهُ شُكْرًا عَلَى نِعَمِهِ. وَقِيلَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٨] عالما بصغيرها وكبيرها فَيُجَازِيهِمْ بِهَا.

[٥٩] {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ٥٩] أَيْ بِالرَّحْمَنِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ فَاسْأَلِ الخبير بذلك يعني بما ذكرنا مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ: وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لَا تَرْجِعُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ


(١) أخرجه مالك في الاستسقاء ١ / ١٩٢ والبخاري في الاستسقاء ٢ / ٥٢٢ ومسلم في الإيمان رقم (٧١) ١ / ٨٣ والمصنف في شرح السنة ٤ / ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>