للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلَامُ وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ، وَقَالَ ابن مسعود: هُوَ الْقُرْآنُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: " الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ " (١) . وقال سعيد بن جبير: طَرِيقُ الْجَنَّةِ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ: رَسُولِ اللَّهِ وَآلِهِ وَصَاحِبَاهُ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ الواضح.

[قوله تعالى صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ] عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

[٧] {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] أَيْ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ من النبيين والمؤمنين. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَبْلَ أن يغيروا دينهم، وقال عبد الرحمن: هم النبي وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هم الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وقال عبد الرحمن بن زيدان: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بيته.

قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] يعني: غير صراط الذين غضبت عليهم.

{وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] أَيْ: وَغَيْرِ الضَّالِّينَ عَنِ الْهُدَى، وَأَصْلُ الضَّلَالِ الْهَلَاكُ وَالْغَيْبُوبَةُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هلك وغاب، و " غير " ههنا بِمَعْنَى لَا، وَلَا بِمَعْنَى غَيْرِ، وقيل: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: ٧] هُمُ الْيَهُودُ وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالْغَضَبِ فَقَالَ: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [الْمَائِدَةِ: ٦٠] وَحَكَمَ عَلَى النَّصَارَى بِالضَّلَالِ فَقَالَ: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} [الْمَائِدَةِ: ٧٧] وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْبِدْعَةِ وَلَا الضَّالِّينَ عَنِ السُّنَّةِ.

وَالسُّنَّةُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ " آمِين "، مفصولاً عن الفاتحة بسكتة، وهو مخفف ويجوز مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا، وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ واستجب.

[فصل في فضل فاتحة الكتاب]

فصل في فضل فاتحة الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا وَإِنَّهَا لَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، هَذَا حديث حسن صحيح (٢) .

وعن ابن عباس قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ وعنده جِبْرِيلُ إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فوقه، فرفع جبريل بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لن تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ» ، صحيح (٣) .

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غير تمام» .

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ: " اقرؤوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] يقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ العبد:


(١) أخرجه الطبري في التفسير ١ / ١٧٢ وضعفه أحمد شاكر في تعليقه عليه.
(٢) رواه الترمذي في فضائل القرآن باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب ٨ / ١٧٨ - ١٨٠، وأحمد في المسند ٢ / ٤١٢ - ٤١٣، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. انظر الترغيب والترهيب للمنذري ٢ / ٣٦٧، وأخرجه المصنف في شرح السنة ٤ / ٤٤٦، ٤٤٧.
(٣) رواه مسلم في صلاة المسافرين برقم (٨٠٦) ١ / ٥٥٤، والنسائي في افتتاح الصلاة ٢ / ١٣٨ والمصنف في شرح السنة ٤ / ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>