الْجَاهِلِيَّةِ، قَوْلُهُ: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: ١٢] لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَهْيَهُنَّ عَنِ الزِّنَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الزِّنَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ تَلْتَقِطَ مَوْلُودًا وَتَقُولَ لِزَوْجِهَا هَذَا وَلَدِي مِنْكَ، فَهُوَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، لِأَنَّ الْوَلَدَ إِذَا وَضَعَتْهُ الْأُمُّ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، قَوْلُهُ {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: ١٢] أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ.
قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: فِي كُلِّ أمر فيه رشد.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَخْلُو الْمَرْأَةُ بِالرِّجَالِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْكَلْبِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّهْيُ عَنِ النَّوْحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَنَتْفِهِ وَخَمْشِ الْوَجْهِ، وَلَا تُحَدِّثُ الْمَرْأَةُ الرِّجَالَ إِلَّا ذَا مَحْرَمٍ، وَلَا تَخْلُو بِرَجُلٍ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ إِلَّا مَعَ ذي محرم.
قوله: {فَبَايِعْهُنَّ} [الممتحنة: ١٢] يَعْنِي إِذَا بَايَعْنَكَ فَبَايِعْهُنَّ، {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: ١٢] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
{لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: ١٢] قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» (١) .
[١٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: ١٣] وَهَمُّ الْيَهُودُ وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ، يَتَوَصَّلُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيُصِيبُونَ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، {قَدْ يَئِسُوا} [الممتحنة: ١٣] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ، {مِنَ الْآخِرَةِ} [الممتحنة: ١٣] بِأَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا ثَوَابٌ وَخَيْرٌ، {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: ١٣] أَيْ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَثَوَابٌ في الآخرة.
[سورة الصف]
[قوله تعالى سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ] وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. . .
(٦١) سورة الصف [١ - ٢] {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الصف: ١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَعَمِلْنَاهُ وَلِبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: ٤] فَابْتُلُوا بِذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه وسلم بثواب الشهداء بَدْرٍ، قَالَتِ الصَّحَابَةُ: لَئِنْ لَقِينَا بَعْدَهُ قِتَالًا لِنُفْرِغَنَّ فِيهِ وُسْعَنَا، فَفَرُّوا يَوْمَ أُحُدٍ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْقِتَالِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: قَاتَلْتُ وَلَمْ يُقَاتِلْ، وَطَعَنْتُ وَلَمْ يَطْعَنْ، وَضَرَبْتُ وَلَمْ يَضْرِبْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كانوا يعدون النصر
(١) أخرجه البخاري في الأحكام ١٣ / ٢٠٣ ومسلم في الإمارة برقم (١٨٦٦) ٣ / ١٤٨٩.