للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: ١٠] والأول أصح قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص: ١٠] قِيلَ: الْهَاءُ فِي بِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى مُوسَى أَيْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَادَتْ تَقُولُ وَابْنَاهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا رَأَتِ التَّابُوتَ يَرْفَعُهُ مَوْجٌ وَيَضَعُهُ آخَرُ خَشِيَتْ عَلَيْهِ الْغَرَقَ فَكَادَتْ تَصِيحُ مِنْ شَفَقَتِهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَادَتْ تُظْهِرُ أَنَّهُ ابْنُهَا وَذَلِكَ حِينَ سَمِعَتِ النَّاسَ يَقُولُونَ لِمُوسَى بَعْدَمَا شَبَّ: مُوسَى بن فرعون، فشق عليها وكادت تقول: بلى هُوَ ابْنِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْوَحْيِ أَيْ كَادَتْ تُبْدِي بِالْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهَا، {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: ١٠] بِالْعِصْمَةِ وَالصَّبْرِ وَالتَّثْبِيتِ، {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: ١٠] الْمُصَدِّقِينَ لِوَعْدِ اللَّهِ حِينَ قَالَ لها: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} [القصص: ٧]

[١١] {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ} [القصص: ١١] أَيْ لِمَرْيَمَ أُخْتِ مُوسَى {قُصِّيهِ} [القصص: ١١] اتْبَعِي أَثَرَهُ حَتَّى تَعْلَمِي خَبَرَهُ، {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} [القصص: ١١] أَيْ عَنْ بُعْدٍ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي جَانِبًا وَتَنْظُرُ اختلاسا تُري أَنَّهَا لَا تَنْظُرُهُ، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: ١١] أَنَّهَا أُخْتُهُ وَأَنَّهَا تَرْقُبُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ كل هَمُّهَا مِنَ الدُّنْيَا أَنْ تَجِدَ له مرضعة وكلما أَتَوْا بِمُرْضِعَةٍ لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

[١٢] {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القصص: ١٢] وَالْمُرَادُ مِنَ التَّحْرِيمِ الْمَنْعُ وَالْمَرَاضِعُ جمع المرضع، {مِنْ قَبْلُ} [القصص: ١٢] أَيْ مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ أُمِّ مُوسَى فَلَمَّا رَأَتْ أُخْتُ مُوسَى الَّتِي أَرْسَلَتْهَا أُمُّهُ فِي طَلَبِهِ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُمْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ؟ وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ مُوسَى مَكَثَ ثَمَانِ لَيَالٍ لَا يَقْبَلُ ثَدْيًا وَيَصِيحُ وَهُمْ فِي طَلَبِ مُرْضِعَةٍ له، {فَقَالَتْ} [القصص: ١٢] يَعْنِي أُخْتَ مُوسَى، {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ} [القصص: ١٢] أي يضمونه {لَكُمْ} [القصص: ١٢] وَيُرْضِعُونَهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ قَدْ قُتِلَ وَلَدُهَا فَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَيْهَا أَنْ تَجِدَ صَغِيرًا تُرْضِعُهُ، {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: ١٢] وَالنُّصْحُ ضِدُّ الْغِشِّ وَهُوَ تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ مِنْ شَوَائِبِ الْفَسَادِ، قَالُوا: نعم فَأْتِينَا بِهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا وَأَخْبَرَتْهَا بِحَالِ ابْنِهَا وَجَاءَتْ بِهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا وَجَدَ الصَّبِيُّ رِيحَ أُمِّهُ قَبِلَ ثَدْيَهَا وَجَعَلَ يَمُصُّهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

[١٣] {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} [القصص: ١٣] بِرَدِّ مُوسَى إِلَيْهَا، {وَلَا تَحْزَنَ} [القصص: ١٣] أي لئلا تَحْزَنَ، {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [القصص: ١٣] بِرَدِّهِ إِلَيْهَا، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: ١٣] أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهَا رَدَّهُ إِلَيْهَا.

[قوله تعالى وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا] وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. . . .

[١٤] {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [القصص: ١٤] قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْأَشُدُّ مَا بَيْنَ ثماني عشر سنة إلى ثلاثين سنة. وقال مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، {وَاسْتَوَى} [القصص: ١٤] أي بلغ أربعين سنة، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: اسْتَوَى انْتَهَى شبابه {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: ١٤] أَيِ الْفِقْهَ وَالْعَقْلَ وَالْعِلْمَ فِي الدِّينِ، فَعَلِمَ مُوسَى

<<  <  ج: ص:  >  >>