وَارْتِفَاعَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَطُولُهُ فَرْسَخٌ.
[٩٧] {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: ٩٧] أَنْ يَعْلُوهُ مِنْ فَوْقِهِ لِطُولِهِ وَمَلَاسَتِهِ، {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: ٩٧] مِنْ أَسْفَلِهِ لِشِدَّتِهِ وَلِصَلَابَتِهِ. وَقَرَأَ حمزة {فَمَا اسْطَاعُوا} [الكهف: ٩٧] بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَدْغَمَ تَاءَ الافْتِعَالِ في الطاء.
[قوله تعالى قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ] رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. . . . .
[٩٨] {قَالَ} [الكهف: ٩٨] يعني ذا القرنين، {هَذَا} [الكهف: ٩٨] أي السد، {رَحْمَةٌ} [الكهف: ٩٨] نِعْمَةٌ، {مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: ٩٨] قيل: الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: وَقْتُ خُرُوجِهِمْ. {جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: ٩٨] قرأ أهل الكوفة {دَكَّاءَ} [الكهف: ٩٨] بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، أَيْ أَرْضًا مَلْسَاءَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِلَا مَدٍّ أَيْ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُسْتَوِيًا مَعَ وَجْهِ الْأَرْضِ، {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: ٩٨]
[٩٩] قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: ٩٩] قِيلَ: هَذَا عِنْدَ فَتْحِ السَّدِّ، يَقُولُ: تَرَكْنَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَمُوجُ أَيْ يَدْخُلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَوْجِ الْمَاءِ وَيَخْتَلِطُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِكَثْرَتِهِمْ، وَقِيلَ: هَذَا عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ يَدْخُلُ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَيَخْتَلِطُ إِنْسِيُّهُمْ بِجِنِّيِّهِمْ حَيَارَى، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: ٩٩] لِأَنَّ خُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ، {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: ٩٩] في صعيد واحد.
[١٠٠] {وَعَرَضْنَا} [الكهف: ١٠٠] أَبْرَزْنَا، {جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: ١٠٠] حَتَّى يُشَاهِدُوهَا عِيَانًا.
[١٠١] {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ} [الكهف: ١٠١] أي غشاء والغطاء مَا يُغَطَّى بِهِ الشَّيْءُ وَيَسْتُرُهُ، {عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: ١٠١] يَعْنِي عَنِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ. وَعَنِ الْهُدَى وَالْبَيَانِ. وَقِيلَ. عَنْ رُؤْيَةِ الدَّلَائِلِ. {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: ١٠١] أَيْ سَمْعَ الْقَبُولِ، وَالْإِيمَانِ لِغَلَبَةِ الشَّقَاوَةِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَعْقِلُونَ وَقِيلَ: كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ أَيْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ لِشِدَّةِ عداوتهم، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا لِعَدَاوَتِهِ.
[١٠٢] {أَفَحَسِبَ} [الكهف: ١٠٢] أَفَظَنَّ، {الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: ١٠٢] أَرْبَابًا يُرِيدُ بِالْعِبَادِ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ، كَلَّا بَلْ هُمْ لَهُمْ أَعْدَاءٌ وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشَّيَاطِينَ أَطَاعُوهُمْ مِنْ دُونِ الله. وقال مقاتل: الأصنام سماها عِبَادًا، كَمَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الْأَعْرَافِ: ١٩٤] وَجَوَابُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِنِّي لَأَغْضَبُ لِنَفْسِي، يَقُولُ أَفَظَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا غَيْرِي أَوْلِيَاءَ وَأَنِّي لَا أَغْضَبُ لِنَفْسِي وَلَا أُعَاقِبُهُمْ؟ ! وَقِيلَ: أَفَظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْفَعُهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ. {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} [الكهف: ١٠٢] أَيْ: مَنْزِلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَثْوَاهُمْ. وَقِيلَ: النُّزُلُ مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ، يُرِيدُ هِيَ مُعَدَّةٌ لَهُمْ عِنْدَنَا كالنُّزُلِ لِلضَّيْفِ.
[١٠٣] {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: ١٠٣] يعني الذين اتبعوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلٍ يَرْجُونَ بِهِ فَضْلًا وَنَوَالًا فَنَالُوا هَلَاكًا وَبَوَارًا، كَمَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً يَرْجُو عَلَيْهَا رِبْحًا فَخَسِرَ وَخَابَ سَعْيُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقِيلَ: هُمُ الرُّهْبَانُ.
[١٠٤] {الَّذِينَ} [الكهف: ١٠٤] حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هُمْ أهل حروراء. {ضَلَّ سَعْيُهُمْ} [الكهف: ١٠٤] بَطَلَ عَمَلُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤] أَيْ عَمَلًا.
[١٠٥] {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ} [الكهف: ١٠٥] بَطَلَتْ، {أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥] أَيْ لَا نَجْعَلُ لَهُمْ خَطَرًا وَقَدْرًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَزْنٌ أَيْ قَدْرٌ لِخِسَّتِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ الله جناح بعوضة» (١) وقال: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥] قال
(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٢٦ ومسلم في صفات المنافقين برقم (٢٧٨٥) ٤ / ٢١٤٧.