للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَبُهُمْ مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَمَرْكَبًا بَعْدَ مَرْكَبٍ وَمَلْبَسًا بَعْدَ مَلْبَسٍ، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ} [الشورى: ٢٧] أرزاقهم، {بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى: ٢٧] كَمَا يَشَاءُ نَظَرًا مِنْهُ لِعِبَادِهِ ولحكمة اقتضتها قدرته، {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: ٢٧]

[٢٨] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [الشورى: ٢٨] الْمَطَرَ، {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: ٢٨] يَعْنِي مِنْ بَعْدِ مَا يَئِسَ النَّاسُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الشُّكْرِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: حَبَسَ اللَّهُ الْمَطَرَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى قَنِطُوا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ نعمته، {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: ٢٨] يَبْسُطُ مَطَرَهُ، كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الْأَعْرَافِ: ٥٧] {وَهُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: ٢٨] لأهل طاعته، {الْحَمِيدُ} [الشورى: ٢٨] عِنْدَ خَلْقِهِ.

[٢٩] {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩] يعني بوم الْقِيَامَةِ.

[٣٠] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ (بِمَا كَسَبَتْ) بِغَيْرِ فَاءٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ، فَمَنْ حَذَفَ الْفَاءَ جَعَلَ (مَا) فِي أَوَّلِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الَّذِي أَصَابَكُمْ بِمَا كَسَبَتْ أيديكم. {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] قَالَ الْحَسَنُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ خَدْشِ عُودٍ وَلَا عَثْرَةِ قَدَمٍ، وَلَا اخْتِلَاجِ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يعفو الله عنه أكثر» . (١) ".

[٣١] {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الشورى: ٣١] بفائتين، {فِي الْأَرْضِ} [الشورى: ٣١] هربا يعني لا تعجزونني حيث ما كُنْتُمْ وَلَا تَسْبِقُونَنِي، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الشورى: ٣١]

[قوله تعالى وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ] إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ. . .

[٣٢] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي} [الشورى: ٣٢] يَعْنِي السُّفُنَ، وَاحِدَتُهَا جَارِيَةٌ وَهِيَ السائرة، {فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى: ٣٢] أَيِ الْجِبَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُصُورُ، أحدها عَلَمٌ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مُرْتَفِعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ عَلَمٌ.

[٣٣] {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ} [الشورى: ٣٣] التي تجريها، {فَيَظْلَلْنَ} [الشورى: ٣٣] يعني الجواري، {رَوَاكِدَ} [الشورى: ٣٣] ثوابت {عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى: ٣٣] عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ لَا تَجْرِي، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الشورى: ٣٣] أَيْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ الصَّبْرُ فِي الشِّدَّةِ وَالشُّكْرُ في الرخاء.

[٣٤] {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} [الشورى: ٣٤] يهلكهن ويغرقهن، {بِمَا كَسَبُوا} [الشورى: ٣٤] أَيْ بِمَا كَسَبَتْ رُكْبَانُهَا مِنَ الذنوب، {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٤] مِنْ ذُنُوبِهِمْ فَلَا يُعَاقِبُ عَلَيْهَا.

[٣٥] {وَيَعْلَمَ} [الشورى: ٣٥] قرأ أهل المدينة والشام: (يعلم) بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التَّوْبَةِ: ١٥] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الصَّرْفِ وَالْجَزْمُ إِذَا صُرِفَ عَنْهُ مَعْطُوفُهُ نُصِبَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٢] صُرِفَ مَنْ حَالِ الْجَزْمِ إِلَى النَّصْبِ اسْتِخْفَافًا وَكَرَاهِيَةً لِتَوَالِي الْجَزْمِ. {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى: ٣٥] أَيْ يَعْلَمُ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْبَعْثِ أَنْ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.

[٣٦] {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الشورى: ٣٦] مِنْ رِيَاشِ الدُّنْيَا، {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الشورى: ٣٦] لَيْسَ مِنْ زَادِ الْمَعَادِ، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} [الشورى: ٣٦] مِنَ الثَّوَابِ، {خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: ٣٦] فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ الدُّنْيَا مَتَاعٌ لهم يتمتعان بها فإذا صار إِلَى الْآخِرَةِ كَانَ مَا عِنْدَ الله خيرا لِلْمُؤْمِنِ.

[٣٧] {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [الشورى: ٣٧] قد ذَكَرْنَا مَعْنَى الْكَبَائِرِ فِي سُورَةِ النساء [آية: ٣١] {وَالْفَوَاحِشَ} [الشورى: ٣٧]


(١) ضعيف: أخرجه هناد في الزهد (رقم ٤٣١) ، وعزاه في الدر (٦ / ٩) لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر، وأخرج ابن جرير (٢٥ / ٢١) والبيهقي في الشعب وعبد بن حميد نحوه عن قتادة مرسلا، وأخرج نحوه ابن عساكر وابن مردويه عن البراء، وفي الصحيحين عن عائشة بمعناه وقد صححه الألباني في الجامع الصغير بلفظ: "ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب وما يدفع الله عنه أكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>