للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: (خَطِيئَاتِكُمْ) بِالْجَمْعِ وَرَفْعِ التَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَمْعِ وَكَسْرِ التَّاءِ. {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ١٦١]

[١٦٢] {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا} [الأعراف: ١٦٢] عَذَابًا {مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: ١٦٢]

[١٦٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: ١٦٣] قِيلَ: هِيَ مَدْيَنُ، أَيْ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ هُمْ جِيرَانُكَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ، أَيْ: بِقُرْبِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ قَرْيَةٌ يُقَالُ: لَهَا إيلة بين مدين والطور عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ. هِيَ طَبَرِيَّةُ الشَّامِ. {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: ١٦٣] أَيْ: يَظْلِمُونَ فِيهِ، وَيُجَاوِزُونَ أَمْرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصَيْدِ السَّمَكِ، {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} [الأعراف: ١٦٣] أَيْ: ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ كَثِيرَةٌ، جَمْعُ شَارِعٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مُتَتَابِعَةٌ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ مِثْلَ الْكِبَاشِ السِّمَانِ الْبِيضِ. {وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: ١٦٣] كَإِتْيَانِهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، قَرَأَ الْحَسَنُ: (لَا يُسْبِتُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ: لَا يَدْخُلُونَ فِي السَّبْتِ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِنُصْبِ الْيَاءِ، وَمَعْنَاهُ لَا يعظمون السبت، {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} [الأعراف: ١٦٣] نختبرهم، {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: ١٦٣] فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَكُمْ عَنِ الِاصْطِيَادِ، وَإِنَّمَا نَهَاكُمْ عَنِ الْأَكْلِ، فَاصْطَادُوا أَوْ قِيلَ: وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ أَنَّكُمْ إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنِ الْأَخْذِ، فَاتَّخَذُوا حياضا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، تَسُوقُونَ الْحِيتَانَ إِلَيْهَا يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ تَأْخُذُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا، ثم تجرؤوا عَلَى السَّبْتِ، وَقَالُوا: مَا نَرَى السَّبْتَ إِلَّا قَدْ أُحِلُّ لَنَا فَأَخَذُوا، وَأَكَلُوا، وَبَاعُوا، فَصَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَثْلَاثًا، وَكَانُوا نَحْوًا مَنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُلُثٌ نَهَوْا، وَثُلُثٌ لَمْ يَنْهَوْا، وَسَكَتُوا وَقَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ، وَثُلُثٌ هُمْ أَصْحَابُ الْخَطِيئَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا قَالَ النَّاهُونَ: لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَسَّمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ: لِلْمُسْلِمِينَ بَابٌ، وَلِلْمُعْتَدِينَ بَابٌ، وَلَعَنَهُمْ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَصْبَحَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمُعْتَدِينَ أَحَدٌ، فَقَالُوا: إِنَّ لَهُمْ شَأْنًا لَعَلَّ الْخَمْرَ غَلَبَتْهُمْ فَعَلَوْا عَلَى الْجِدَارِ، فَإِذَا هُمْ قِرَدَةٌ فَعَرَفَتِ الْقُرُودُ أَنْسَابَهَا مِنَ الْإِنْسِ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا من القرود، فجعلت القرود تأتي نَسِيبُهَا مِنَ الْإِنْسِ، فَتَشُمُّ ثِيَابَهُ، وَتَبْكِي فَيَقُولُ: أَلَمْ نَنْهَكُمْ، فَتَقُولُ بِرَأْسِهَا: نَعَمْ، فَمَا نَجَا إِلَّا الذين نهوا وهلك سائرهم.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا] اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا. . . .

[١٦٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} [الأعراف: ١٦٤] اخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ قَالُوا هَذَا، قِيلَ: كَانُوا مِنَ الْفِرْقَةِ الْهَالِكَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا قِيلَ لَهُمُ: انْتَهُوا عَنْ هَذَا الْعَمَلِ السَّيِّئِ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ، وَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ بِكُمْ بَأْسَهُ إِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أَجَابُوا، وَقَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا الله مهلكهم، {أَوْ} [الأعراف: ١٦٤] عَلِمْتُمْ أَنَّهُ {مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا} [الأعراف: ١٦٤] أي: قال الناهون {مَعْذِرَةً} [الأعراف: ١٦٤] أَيْ: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةٌ {إِلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٦٤] قرأ حفص: {مَعْذِرَةً} [الأعراف: ١٦٤] بِالنَّصْبِ أَيْ: نَفْعَلُ ذَلِكَ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ الْفِرْقَةِ السَّاكِتَةِ، قَالُوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ، قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا فَعَلَيْنَا مَوْعِظَةُ هَؤُلَاءِ عُذْرًا إِلَى اللَّهِ، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: ١٦٤] أي: يتقوا اللَّهَ، وَيَتْرُكُوا الْمَعْصِيَةَ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَ الْمُعْتَدِينَ لَكَانَ يَقُولُ: وَلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

[١٦٥] {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} [الأعراف: ١٦٥] أَيْ: تَرَكُوا مَا وُعِظُوا بِهِ، {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأعراف: ١٦٥] يَعْنِي الْفِرْقَةَ الْعَاصِيَةَ، {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: ١٦٥] أَيْ: شَدِيدٍ وَجِيعٍ، مِنَ الْبَأْسِ وَهُوَ الشِّدَّةُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ: قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ {بَئِيسٍ} [الأعراف: ١٦٥] بكسر الياء عَلَى وَزْنِ فِعِلٍ، إِلَّا أَنِ ابْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>