للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّدَبُّرُ فِيمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ من القراءة والذكر.

[٣] قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٣] قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنِ الشِّرْكِ وَقَالَ الْحَسَنُ: عَنِ الْمَعَاصِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: عَنْ كُلِّ باطل ولهو ومالا يجمل مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَقِيلَ: هُوَ مُعَارَضَةُ الْكَفَّارِ بِالشَّتْمِ وَالسَّبِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفُرْقَانِ: ٧٢] أَيْ: إِذَا سَمِعُوا الْكَلَامَ الْقَبِيحَ أَكْرَمُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ.

[٤] {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: ٤] أَيْ: لِلزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ مُؤَدُّونَ، فَعَبَّرَ عَنِ التَّأْدِيَةِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهَا فِعْلٌ. وقيل: الزكاة ههنا هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، أَيْ: وَالَّذِينَ هُمْ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فَاعِلُونَ.

[٥] {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] الْفَرْجُ اسْمٌ يَجْمَعُ سَوْأَةَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَحِفْظُ الْفَرْجِ التَّعَفُّفُ عَنِ الحرام.

[٦] {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: ٦] أي: من أزواجهم، وعلى بِمَعْنَى مِنْ {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] (مَا) فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ يَعْنِي أو مما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، وَالْآيَةُ فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] وَالْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِفَرْجِ مَمْلُوكِهَا. {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] يَعْنِي يَحْفَظُ فَرْجَهُ إِلَّا مِنَ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا يُلَامُ فِيهِمَا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ أَذِنَ فِيهِ الشَّرْعُ دُونَ الْإِتْيَانِ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى، وَفِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ وَهُوَ عَلَى فِعْلِهِ مَلُومٌ.

[٧] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٧] أَيْ: الْتَمَسَ وَطَلَبَ سِوَى الْأَزْوَاجِ وَالْوَلَائِدِ المملوكة، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] الظَّالِمُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ مِنَ الْحَلَالِ إِلَى الحرام.

[٨] {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ} [المؤمنون: ٨] قرأ ابن كثير (لأماناتهم) على التوحيد ههنا وفي سورة المعارج، كقوله تعالى: {وَعَهْدِهِمْ} [المؤمنون: ٨] وَالْبَاقُونَ (١) بِالْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النَّسَاءِ: ٥٨] {وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨] حَافِظُونَ، أَيْ يَحْفَظُونَ مَا ائْتُمِنُوا عَلَيْهِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي عَاقَدُوا النَّاسَ عَلَيْهَا، يَقُومُونَ بِالْوَفَاءِ بِهَا، وَالْأَمَانَاتُ تَخْتَلِفُ فَتَكُونُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وبين العباد كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الله عليه، ويكون من الْعَبِيدِ كَالْوَدَائِعِ وَالصَّنَائِعِ فَعَلَى الْعَبْدِ الْوَفَاءُ بِجَمِيعِهَا. [٩] {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ} [المؤمنون: ٩] قرأ حمزة ة وَالْكِسَائِيُّ (صَلَاتِهِمْ) ، عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْآخَرُونَ "صلواتهم" على الجمع. {يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: ٩] أَيْ يُدَاوِمُونَ، عَلَى حِفْظِهَا وَيُرَاعُونَ أَوْقَاتَهَا، كَرَّرَ ذِكْرَ الصَّلَاةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ كَمَا أَنَّ الْخُشُوعَ فِيهَا وَاجِبٌ.

[١٠] {أُولَئِكَ} [المؤمنون: ١٠] أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ، {هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: ١٠] يَرِثُونَ مَنَازِلَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الجنة. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْوِرَاثَةِ هُوَ أنه يؤول أَمْرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَنَالُونَهَا كَمَا يؤول أمر الميراث إلى الوارث.

[١١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون: ١١] وَهُوَ أَعْلَى الْجَنَّةِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ، {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١١] لا يموتون ولا يخرجون.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ] . . . . .

[١٢] وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} [المؤمنون: ١٢] يعني: ولد آدم، والإنسان اسْمُ الْجِنْسِ يَقَعُ عَلَى، الْوَاحِدِ والجمع، {مِنْ سُلَالَةٍ} [المؤمنون: ١٢] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّلَالَةُ صَفْوَةُ الْمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ يُسِيلُ مِنَ الظَّهْرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي النُّطْفَةَ سُلَالَةً وَالْوَلَدَ سَلِيلًا وَسُلَالَةً لِأَنَّهُمَا مَسْلُولَانِ مِنْهُ. قوله: {مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: ١٢] يَعْنِي: طِينَ آدَمَ. وَالسُّلَالَةُ: تَوَلَّدَتْ مِنْ طِينٍ خُلِقَ آدَمُ مِنْهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْإِنْسَانِ هُوَ آدم. وقوله: {مِنْ سُلَالَةٍ} [المؤمنون: ١٢] أَيْ: سُلَّ مِنْ كُلِّ تُرْبَةٍ.


(١) أي وقرا الباقون بالجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>