للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإساءته {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥] فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَاعْفُ عَفْوًا حَسَنًا. نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.

[٨٦] {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر: ٨٦] بِخَلْقِهِ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ] الْعَظِيمَ. . . . .

[٨٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الْحِجْرِ: ٨٧] قال عمر وعلي: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» (١) .

، وَعَنِ ابْنِ مسعود قال: السَّبْعِ الْمَثَانِي هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ والقرآن العظيم سَائِرُ الْقُرْآنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الفاتحة لم سميت مثاني؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ: لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَقْسُومَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بنصفين نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا دُعَاءٌ، كَمَا روينا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ. «يقول الله: "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» (٢) .

، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مرة بمكة ومرة بالمدينة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَاهَا وَادَّخَرَهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَا أَعْطَاهَا غَيْرَهُمْ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْبَلْخِيُّ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثْنِي أَهْلَ الشَّرِّ عَنِ الْفِسْقِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ ثَنَيْتُ عَنَانِيَ. وَقِيلَ: لِأَنَّ أَوَّلَهَا ثَنَاءٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ أَوَّلُهَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآخِرُهَا الْأَنْفَالُ مَعَ التَّوْبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُورَةَ يُونُسَ بَدَلَ الأنفال، عن ثوبان أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ. «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَانِي السَّبْعَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأَعْطَانِي الْمِئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَأَعْطَانِي مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَثَانِيَ، وَفَضَّلَنِي ربي بالمفصل» . وقال طاووس: الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَثَانِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزُّمَرِ: ٢٣] وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ مَثَانِيَ لِأَنَّ الْأَنْبَاءَ وَالْقَصَصَ ثُنِّيَتْ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُرَادُ بِالسَّبْعِ سَبْعَةُ أَسْبَاعِ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ عَلَى هَذَا وَهِيَ القرآن العظيم.

[٨٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: ٨٨] يَا مُحَمَّدُ، {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} [الحجر: ٨٨] أصنافا , {مِنْهُمْ} [الحجر: ٨٨] أَيْ: مِنَ الْكُفَّارِ مُتَمَنِّيًا لَهَا, نَهَى اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَمُزَاحَمَةِ أَهْلِهَا عَلَيْهَا, {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر: ٨٨] أَيْ: لَا تَغْتَمَّ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قبلها وذلك أنه لِمَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ نَهَاهُ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي الدنيا: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الحجر: ٨٨] لين جانبك {لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: ٨٨] وارفق بهم والجناحان من ابن آدَمَ جَانِبَاهُ.

[٨٩] {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} [الحجر: ٨٩]

[٩٠] {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} [الحجر: ٩٠] قَالَ الْفَرَّاءُ: مَجَازُهُ أُنْذِرُكُمْ عَذَابًا كَعَذَابِ الْمُقْتَسِمِينَ, حُكِيَ عَنِ ابْنِ عباس أَنَّهُ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

[٩١] {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: ٩١] جزّؤوه فَجَعَلُوهُ أَعْضَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَسَّمُوا كِتَابَهُمْ فَفَرَّقُوهُ وَبَدَّلُوهُ. وَقِيلَ: الْمُقْتَسِمُونَ قَوْمٌ اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سِحْرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شِعْرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذِبٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: الِاقْتِسَامُ هُوَ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا الْقَوْلَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: سَاحِرٌ كَاهِنٌ شَاعِرٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا بَعَثَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فَاقْتَسَمُوا عِقَابَ مَكَّةَ وطرفها، وقعدوا على نقابها فيقولون لِمَنْ جَاءَ مِنَ الْحُجَّاجِ: لَا تَغْتَرُّوا بِهَذَا الرَّجُلِ الْخَارِجِ الَّذِي يَدَّعِي النُّبُوَّةَ مِنَّا, وَتَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَطَائِفَةٌ إِنَّهُ كَاهِنٌ وَطَائِفَةٌ إِنَّهُ شَاعِرٌ, وَالْوَلِيدُ قَاعِدٌ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَصَّبُوهُ


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة الحجر ٨ / ٣٨١.
(٢) أخرجه مسلم في الصلاة رقم (٣٩٥) ١ / ٣٩٦ والمصنف في شرح السنة ٣ / ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>