[١٧] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ} [النمل: ١٧] وجمع لِسُلَيْمَانَ، {جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ} [النمل: ١٧] في مسيره، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: ١٧] فهم يكفون. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُوزَعُونَ يُسَاقُونَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُوقَفُونَ. وَقِيلَ: يُجْمَعُونَ. وَأَصْلُ الوزع الكف والمنع.
[١٨] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} [النمل: ١٨] قَالَ كَعْبٌ: إِنَّهُ وَادٍ بِالطَّائِفِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ. هُوَ أَرْضٌ بالشام. {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: ١٨] وَلَمْ تَقُلْ: ادْخُلْنَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لَهُمْ قَوْلًا كَالْآدَمِيِّينَ خُوطِبُوا بخطاب الآدميين، {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ} [النمل: ١٨] لا يكسرنكم، {سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: ١٨] وَالْحَطْمُ الْكَسْرُ، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: ١٨] فسمع سليمان قولها. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّكُمْ لَوْ لَمْ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ وَطَؤُوكُمْ وَلَمْ يَشْعُرُوا بكم.
[١٩] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: ١٩] قَالَ الزَّجَاجُ: أَكْثَرُ ضَحِكِ الْأَنْبِيَاءِ التبسم. وقوله: {ضَاحِكًا} [النمل: ١٩] أَيْ مُتَبَسِّمًا. قِيلَ: كَانَ أَوَّلَهُ التبسم وآخره الضحك ثُمَّ حَمِدَ سُلَيْمَانُ رَبَّهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [النمل: ١٩] أَلْهِمْنِي، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: ١٩] أَيْ أَدْخِلْنِي فِي جُمْلَتِهِمْ، وَأَثْبِتِ اسْمِى مَعَ أَسْمَائِهِمْ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، مِنَ النَّبِيِّينَ. وَقِيلَ: أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ مِنْ عِبَادِكَ الصالحين.
[٢٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} [النمل: ٢٠] أَيْ: طَلَبَهَا وَبَحَثَ عَنْهَا، وَالتَّفَقُّدُ طَلَبُ مَا فُقِدَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ. طَلَبَ مَا فَقَدَ مِنَ الطَّيْرِ، {فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: ٢٠] أَيْ مَا لِلْهُدْهُدِ لَا أَرَاهُ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الشَّكُّ فِي غَيْبَتِهِ، فَقَالَ: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: ٢٠] يَعْنِي أَكَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، وَالْمِيمُ صِلَةٌ، وَقِيلَ: أَمْ بِمَعْنَى بَلْ، ثُمَّ أَوْعَدَهُ عَلَى غَيْبَتِهِ، فَقَالَ:
[٢١] {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل: ٢١] لَأَقْطَعَنَّ حَلْقَهُ، {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: ٢١] بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ فِي غَيْبَتِهِ، وَعُذْرٍ ظاهر.
[٢٢] {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: ٢٢] أَيْ غَيْرَ طَوِيلٍ، {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: ٢٢] وَالْإِحَاطَةُ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، يَقُولُ: عَلِمْتُ مَا لَمْ تَعْلَمْ وَبَلَغْتُ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَنْتَ وَلَا جُنُودُكَ، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ} [النمل: ٢٢] اسم البلد أو اسم رجل، {بِنَبَإٍ} [النمل: ٢٢] بخبر {يَقِينٍ} [النمل: ٢٢] فَقَالَ سُلَيْمَانُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ:
[قوله تعالى إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ] كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. . .
[٢٣] {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: ٢٣] وَكَانَ اسْمُهَا بِلْقِيسَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ مِنْ نَسْلِ يَعْرِبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَكَانَ أَبُوهَا مَلِكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النَّمْلِ: ٢٣] يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ مِنَ الْآلَةِ والعدة، {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: ٢٣] سَرِيرٌ ضَخْمٌ كَانَ مَضْرُوبًا مِنَ الذَّهَبِ مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ والزبرجد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute