للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْدَى دِينًا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ كَذَّبُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: ٤٢] رَسُولٌ، {لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: ٤٢] يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: ٤٢] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [فاطر: ٤٢] أَيْ مَا زَادَهُمْ مَجِيئُهُ إِلَّا تَبَاعُدًا عَنِ الْهُدَى.

[٤٣] {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} [فاطر: ٤٣] نصب {اسْتِكْبَارًا} [فاطر: ٤٣] عَلَى الْبَدَلِ مِنَ النُّفُورِ، {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: ٤٣] يَعْنِي الْعَمَلَ الْقَبِيحَ، أُضِيفَ الْمَكْرُ إِلَى صِفَتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ حمزة (ومكر السَّيِّئْ) سَاكِنَةَ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} [فاطر: ٤٣] أَيْ لَا يَحِلُّ وَلَا يُحِيطُ المكر السيئ، {إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٤٣] فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَاقِبَةُ الشِّرْكِ لَا تَحِلُّ إلا بمن أشرك. والمعنى: إن وَبَالُ مَكْرِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ} [فاطر: ٤٣] ينتظرون، {إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} [فاطر: ٤٣] إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ كَمَا نَزَلَ بِمَنْ مَضَى مِنَ الكفار، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣]

[٤٤] {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} [فاطر: ٤٤] يَعْنِي لِيَفُوتَ عَنْهُ {مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: ٤٤]

[قوله تعالى وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا] تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ. . .

[٤٥] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} [فاطر: ٤٥] مِنَ الْجَرَائِمِ، {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا} [فاطر: ٤٥] يَعْنِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، {مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥] كَمَا كَانَ فِي زَمَانِ نُوحٍ أَهْلَكَ اللَّهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ، {وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: ٤٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَأَهْلَ معصيته.

[سورة يس]

[قوله تعالى يس وَالقرآن الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ] . . .

(٣٦) سورة يس [١] {يس} [يس: ١] وَن، قَرَأَ بِإِخْفَاءِ النُّونِ فِيهِمَا ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بكر وورش بخلف عنه في: نون والقلم، وَالْبَاقُونَ يُظْهِرُونَ فِيهِمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ (يس) حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي حُرُوفِ التَّهَجِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قسم، يروى عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَا إِنْسَانُ بِلُغَةِ طَيْءٍ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَا رَجُلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: يَا سيد البشر.

[٢] {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: ٢]

[٣] {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: ٣] أقسم الله بالقرآن بأن مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ قَالُوا: {لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: ٤٣]

[٤] {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: ٤] هو خبر بعد خبر، أي إنك لمن المرسلين وإنك عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

[٥] {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: ٥] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (تَنْزِيلَ) بِنَصْبِ اللَّامِ كَأَنَّهُ قَالَ نُزِّلَ تَنْزِيلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ هُوَ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ.

[٦] {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: ٦] قِيلَ: (مَا) لِلنَّفْيِ أَيْ لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَأْتِهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ لِتُنْذِرَ قَوْمًا بِالَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، {فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: ٦] عَنِ الْإِيمَانِ وَالرُّشْدِ.

[٧] {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} [يس: ٧] وَجَبَ الْعَذَابُ، {عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يس: ٧] هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزُّمَرِ: ٧١]

[٨] {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس: ٨] قَالَ أَهْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>