[١٦] {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: ١٦] وكيد الله استدراجهم إِيَّاهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
[١٧] {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} [الطارق: ١٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ، {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: ١٧] قَلِيلًا وَمَعْنَى مَهِّلْ وَأَمْهِلْ أَنْظِرْ وَلَا تَعْجَلْ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَنُسِخَ الْإِمْهَالُ بِآيَةِ السَّيْفِ.
[سورة الأعلى]
[قوله تعالى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. . .]
(٨٧) سورة الْأَعْلَى [١] {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الْأَعْلَى: ١] يَعْنِي قُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ نَزِّهْ رَبَّكَ الْأَعْلَى عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الملحدون، وَقَالَ آخَرُونَ: نَزِّهْ تَسْمِيَةَ رَبِّكَ بأن تذكره وأنت معظم ولذكره محترم.
[٢] {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: ٢] قَالَ الْكَلْبِيُّ: خَلَقَ كُلَّ ذِي رُوحٍ فَسَوَّى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. قال الزَّجَّاجُ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُسْتَوِيًا، وَمَعْنَى سَوَّى: عَدَلَ قَامَتَهُ.
[٣] {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: ٣] قال مُجَاهِدٌ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: قَدَّرَ لِكُلِّ شَيْءٍ مَسْلَكَهُ فَهَدَى، عَرَّفَهَا كَيْفَ يَأْتِي الذَّكَرُ الْأُنْثَى. وَقِيلَ: قدر الأرزاق فهدى لِاكْتِسَابِ الْأَرْزَاقِ وَالْمَعَاشِ. وَقِيلَ: خَلَقَ الْمَنَافِعَ فِي الْأَشْيَاءِ وَهَدَى الْإِنْسَانَ لوجه استخراجها منها.
[٤] {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: ٤] أَنْبَتَ الْعُشْبَ وَمَا تَرْعَاهُ النَّعَمُ. مِنْ بَيْنِ أَخْضَرَ وَأَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وأبيض.
[٥] {فَجَعَلَهُ} [الأعلى: ٥] بعد الخضرة، {غُثَاءً} [الأعلى: ٥] هَشِيمًا بَالِيًا، كَالْغُثَاءِ الَّذِي تَرَاهُ فوق السيل. {أَحْوَى} [الأعلى: ٥] أَسْوَدَ بَعْدَ الْخُضْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَأَ إِذَا جَفَّ وَيَبِسَ اسْوَدَّ.
[٦، ٧] {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: ٦] سَنُعَلِّمُكَ بِقِرَاءَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ، {فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٧] أَنْ تَنْسَاهُ وَمَا نَسَخَ اللَّهُ تلاوته من القرآن، {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ} [الأعلى: ٧] مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، {وَمَا يَخْفَى} [الأعلى: ٧] مِنْهُمَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ والعلانية.
[٨] {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: ٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: نُهَوِّنُ عَلَيْكَ عَمَلَ الْجَنَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عباس: نيسرك لأن تعمل خيرا، واليسرى عَمَلُ الْخَيْرِ. وَقِيلَ: نُوَفِّقُكَ لِلشَّرِيعَةِ اليسرى وهي الحنيفية السمحة.
[٩] {فَذَكِّرْ} [الأعلى: ٩] عِظْ بِالْقُرْآنِ، {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: ٩] الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ، وَالْمَعْنَى: نَفَعَتْ أَوْ لم تنفع.
[١٠] {سَيَذَّكَّرُ} [الأعلى: ١٠] سيتعظ، {مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: ١٠] الله - عز وجل -.
[١١] {وَيَتَجَنَّبُهَا} [الأعلى: ١١] أَيْ يَتَجَنَّبُ الذِّكْرَى وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا، {الْأَشْقَى} [الأعلى: ١١] الشَّقِيُّ فِي عِلْمِ اللَّهِ.
[١٢] {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} [الأعلى: ١٢] الْعَظِيمَةَ وَالْفَظِيعَةَ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ وَأَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا.
[١٣] {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا} [الأعلى: ١٣] فيستريح، {وَلَا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] حَيَاةً تَنْفَعُهُ.
[١٤] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] تَطَهَّرَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ زَاكِيًا. وَقَالَ آخرون: هو صَدَقَةَ الْفِطْرِ.
[١٥] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٥] قَالَ: خَرَجَ إِلَى الْعِيدِ فَصَلَّى صلاته، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ هَاهُنَا الدُّعَاءُ.
[١٦] {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: ١٦]
[١٧] {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٧] قَالَ عَرْفَجَةُ الْأَشْجَعِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ لَنَا: أَتَدْرُونَ لِمَ آثَرْنَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: لِأَنَّ الدُّنْيَا أُحْضِرَتْ وَعُجِّلَ لَنَا طَعَامُهَا وَشَرَابُهَا وَنِسَاؤُهَا وَلَذَّاتُهَا وَبَهْجَتُهَا، وَأَنَّ الْآخِرَةَ نُعِتَتْ لَنَا وَزُوِيَتْ عَنَّا فَأَحْبَبْنَا الْعَاجِلَ وتركنا الآجل.
[١٨] {إِنَّ هَذَا} [الأعلى: ١٨] يَعْنِي مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] إلى أَرْبَعِ آيَاتٍ، {لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [الأعلى: ١٨] أي الْكُتُبِ الْأُولَى الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ ذَكَرَ فِيهَا فَلَاحَ الْمُتَزَكِّي وَالْمُصَلِّي وَإِيثَارَ الْخَلْقِ