صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُجَالِسُهُ ويُظهر الْإِسْلَامَ، وَيَقُولُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُنَافِقًا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِي مَجْلِسَهُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: ٢٠٤] أَيْ: تَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْظُمُ فِي قَلْبِكَ، ويُقال فِي الِاسْتِحْسَانِ: أَعْجَبَنِي كَذَا، وَفِي الْكَرَاهِيَةِ وَالْإِنْكَارِ: عجبتُ مِنْ كَذَا، {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} [البقرة: ٢٠٤] يعني: قول الأخنس الْمُنَافِقِ: وَاللَّهِ إِنِّي بِكَ مُؤْمِنٌ وَلَكَ مُحِبٌّ {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: ٢٠٤] أَيْ: شَدِيدُ الْخُصُومَةِ، يُقَالُ: لددتَ يا هذا وأنت تَلدّ لددًا ولَدَادةً، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى خَصْمِهِ قُلْتَ: لَدَّهُ يَلِدُّهُ لدًّا وَتَأْوِيلُهُ: أَنَّهُ فِي أيِّ وَجْهٍ أَخَذَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فِي أَبْوَابِ الْخُصُومَةِ غَلَبَ، والخِصام: مَصْدَرُ خَاصَمَهُ خِصَامًا وَمُخَاصَمَةً، قَالَهُ أبو عبيدة، وقال الزجاج: وهو جَمْعُ خَصْمٍ، يُقَالُ: خَصْمٌ وَخِصَامٌ وخُصوم: مِثْلُ: بَحْرٍ وَبِحَارٍ وبُحور، قَالَ الْحَسَنُ: أَلَدُّ الْخِصَامِ، أَيْ: كَاذِبُ الْقَوْلِ، قَالَ قَتَادَةُ: شَدِيدُ الْقَسْوَةِ فِي الْمَعْصِيَةِ، جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة.
[٢٠٥] {وَإِذَا تَوَلَّى} [البقرة: ٢٠٥] أَيْ: أَدْبَرَ وَأَعْرَضَ عَنْكَ، {سَعَى فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٠٥] أَيْ: عَمِلِ فِيهَا، وَقِيلَ: سَارَ فيها ومشى، {لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: ٢٠٥] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَطَعَ الرَّحِمَ وَسَفَكَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: ٢٠٥] وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْنَسَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَقِيفٍ خُصُومَةٌ فَبَيَّتَهُمْ لَيْلَةً فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَإِذَا تَوَلَّى، أَيْ: مَلَكَ الْأَمْرَ وَصَارَ وَالِيًا سعَى فِي الْأَرْضِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ) قَالَ: إذا ولي يعمل بالعدوان والظلم، فأمسك اللَّهُ الْمَطَرَ وَأَهْلَكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥] أي: لا يرضى بالفساد.
[قوله تعالى وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ] بِالْإِثْمِ. . . .
[٢٠٦] قَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ} [البقرة: ٢٠٦] أَيْ: خَف اللَّهَ، {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة: ٢٠٦] أي: حملته العزة، حمية الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْإِثْمِ، أَيْ: بالظلم والعزة والتكبر وَالْمَنَعَةُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ للِإثم الَّذِي فِي قَلْبِهِ، فَأَقَامَ الْبَاءَ مَقَامَ اللَّامِ، قَوْلُهُ: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} [البقرة: ٢٠٦] أي كافيه، {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: ٢٠٦] أَيِ: الْفِرَاشُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُقَالَ لِلْعَبْدِ: اتَّقِ اللَّهَ فَيَقُولُ: عَلَيْكَ بنفسك.
[٢٠٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٠٧] أَيْ: لِطَلَبِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: ٢٠٧]
[٢٠٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٠٨] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ النَّضِيرِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute