لَهُمَا مَا سَأَلَاهُ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَعْرَضَ عَنْ سُؤَالِهِمَا وَأَخَذَ فِي غَيْرِهِ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ.
[٣٧] {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} [يوسف: ٣٧] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي النَّوْمِ يَقُولُ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ فِي نَوْمِكُمَا {إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٣٧] فِي الْيَقَظَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي الْيَقَظَةِ يَقُولُ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ مِنْ مَنَازِلِكُمَا تُرْزَقَانِهِ، تُطْعَمَانِهِ وَتَأْكُلَانِهِ إِلَّا نَبَّأَتْكُمَا بِتَأْوِيلِهِ بِقَدْرِهِ وَلَوْنِهِ وَالْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ إليكما، {قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} [يوسف: ٣٧] قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمَا، وَأَيَّ طَعَامٍ أَكَلْتُمْ وَكَمْ أَكَلْتُمْ وَمَتَى أَكَلْتُمْ، فَهَذَا مِثْلُ مُعْجِزَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: ٤٩] فَقَالَا: هَذَا من فِعْلُ الْعَرَّافِينَ وَالْكَهَنَةِ, فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: مَا أنا بكاهن وإنَّما {ذَلِكُمَا} [يوسف: ٣٧] الْعِلْمُ, {مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: ٣٧] وتكرار (هم) على التأكيد.
[قوله تعالى وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ] وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. . . .
[٣٨] {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: ٣٨] أظهر أنه من أولاد الأنبياء {مَا كَانَ لَنَا} [يوسف: ٣٨] مَا يَنْبَغِي لَنَا {أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: ٣٨] مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنَا من الشرك {ذَلِكَ} [يوسف: ٣٨] التَّوْحِيدُ وَالْعِلْمُ، {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف: ٣٨] مَا بَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: ٣٨] ثُمَّ دَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ:
[٣٩] {يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} [يوسف: ٣٩] جَعَلَهُمَا صَاحِبَيِ السَّجْنِ لِكَوْنِهِمَا فِيهِ، كَمَا يُقَالُ لِسُكَّانِ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَلِسُكَّانِ النَّارِ أَصْحَابُ النَّارِ {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} [يوسف: ٣٩] أَيْ: آلِهَةٌ شَتَّى هَذَا مِنْ ذَهَبٍ وَهَذَا مِنْ فِضَّةٍ، وَهَذَا مِنْ حَدِيدٍ وَهَذَا أَعْلَى وَهَذَا أوسط وهدأ أَدْنَى، مُتَبَايِنُونَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: ٣٩] الَّذِي لَا ثَانِيَ لَهُ، الْقَهَّارُ: الْغَالِبُ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ بَيَّنَ عَجْزَ الْأَصْنَامِ فَقَالَ:
[٤٠] {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} [يوسف: ٤٠]
أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَدِ ابْتَدَأَ الْخِطَابَ لِلِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ السِّجْنِ، وَكُلَّ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمَا مِنْ أَهْلِ الشرك، {إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: ٤٠] آلِهَةً وَأَرْبَابًا خَالِيَةً عَنِ الْمَعْنَى لَا حَقِيقَةَ لِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: ٤٠] حجة وبرهان، {إِنِ الْحُكْمُ} [يوسف: ٤٠] مَا الْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، {إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: ٤٠] أي: الْمُسْتَقِيمُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: ٤٠] ثُمَّ فسَّر رُؤْيَاهُمَا فَقَالَ:
[٤١] {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا} [يوسف: ٤١] وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرَابِ، {فَيَسْقِي رَبَّهُ} [يوسف: ٤١] يعني الملك {خَمْرًا} [يوسف: ٤١] والعناقيد الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ يَبْقَى فِي السِّجْنِ ثُمَّ يَدْعُوهُ الْمَلِكُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أيام، ويرد إِلَى مَنْزِلَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، {وَأَمَّا الْآخَرُ} [يوسف: ٤١] يَعْنِي: صَاحِبَ الطَّعَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute