للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَعَلَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ, فَقَسَمَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانَتْ بِهِمْ حَاجَةٌ وَهُمْ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصمة.

[٧] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: ٧] يَعْنِي مِنْ أَمْوَالِ كُفَّارِ أَهْلِ الْقُرَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَفَدَكُ وَخَيْبَرُ وَقُرَى عُرَيْنَةَ: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: ٧] قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ وَحُكْمَ الْفَيْءِ: إِنَّ مَالَ الْفَيْءِ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ فِي حَيَاتِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ مجعل مال الله, {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: ٧] قرأ العامة بالياء {دُولَةً} [الحشر: ٧] نُصِبَ أَيْ لِكَيْلَا يَكُونَ الْفَيْءُ دُولَةً, وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (تَكُونَ) بِالتَّاءِ (دُولَةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى اسْمِ كَانَ أَيْ كَيْلَا يَكُونَ الْأَمْرُ إِلَى دُولَةٍ, وَجَعَلَ الْكَيْنُونَةَ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَحِينَئِذٍ لَا خَبَرَ لَهُ وَالدُّولَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ, {بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] يعني بين الرؤساء والأقوياء, معناه كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء وَالْأَقْوِيَاءِ فَيَغْلِبُوا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءَ وَالضُّعَفَاءَ, وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا اغْتَنَمُوا غَنِيمَةً أَخْذَ الرَّئِيسُ رُبُعَهَا لِنَفْسِهِ, وَهُوَ الْمِرْبَاعُ, ثُمَّ يَصْطَفِي مِنْهَا بَعْدَ الْمِرْبَاعِ مَا شَاءَ, فَجَعَلَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُهُ فِيمَا أُمِرَ بِهِ, ثُمَّ قَالَ {وَمَا آتَاكُمُ} [الحشر: ٧] أعطاكم, {الرَّسُولُ} [الحشر: ٧] مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ, {فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} [الحشر: ٧] من الغلول وغيره, {فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] وَهَذَا نَازِلٌ فِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ, وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ونهى عَنْهُ, {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: ٧] ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْفَيْءِ فَقَالَ:

[٨] {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا} [الحشر: ٨] رزقا {مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: ٨] أَيْ أُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: ٨] فِي إِيمَانِهِمْ.

قَالَ قَتَادَةُ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تَرَكُوا الدِّيَارَ وَالْأَمْوَالَ وَالْعَشَائِرَ وَخَرَجُوا حُبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ, وَاخْتَارُوا الْإِسْلَامَ عَلَى مَا كَانُوا فيه من شدة.

[٩] {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: ٩] وهم الْأَنْصَارُ تَبَوَّءُوا الدَّارَ تُوَطَّنُوا الدَّارَ, أَيْ الْمَدِينَةَ اتَّخَذُوهَا دَارَ الْهِجْرَةِ والإيمان, {مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: ٩] أَيْ أَسْلَمُوا فِي دِيَارِهِمْ وَآثَرُوا الْإِيمَانَ وَابْتَنَوْا الْمَسَاجِدَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ.

وَنَظْمُ الْآيَةِ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ مِنْ قَبْلِ قُدُومِ الْمُهَاجِرِينَ عَلَيْهِمْ, وَقَدْ آمَنُوا لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِمَكَانِ تبوأ, {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} [الحشر: ٩] حَزَازَةً وَغَيْظًا وَحَسَدًا, {مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: ٩] أَيْ مِمَّا أَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ دُونَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ, وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ, وَلَمْ يُعْطِ مِنْهَا الْأَنْصَارَ فَطَابَتْ أَنْفُسُ الْأَنْصَارِ بِذَلِكَ, {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] أَيْ يُؤْثِرُونَ عَلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ, {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ إِلَى مَا يُؤْثِرُونَ, وذلك أنهم قاسموا ديارهم وأموالهم, {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] الشح فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْبُخْلُ وَمَنْعُ الْفَضْلِ.

وَفَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الشُّحِّ والبخل.

قال ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ الشُّحُّ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلَ مَالَهُ إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَطْمَحَ عَيْنُ الرَّجُلِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ, وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الشُّحُّ هُوَ أَخْذُ الْحَرَامِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ.

وَقِيلَ: الشُّحُّ هُوَ الْحِرْصُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَحْمِلُهُ على ارتكاب المحارم.

[قوله تعالى وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا] اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ. . .

[١٠] {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْرِ: ١٠] يَعْنِي التَّابِعِينَ وَهُمَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ سَبَقَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْمَغْفِرَةِ, فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>