للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَخَافُهُ، وَلَا يُحَرِّمُ مَا حرم الله. وقال الآخرون: مَعْنَاهُ اتَّخَذَ مَعْبُودَهُ هَوَاهُ فَيَعْبُدُ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَإِذَا وَجَدُوا شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ الْأَوَّلِ رَمَوْهُ وكسروه، وَعَبَدُوا الْآخَرَ. قَالَ الشِّعْبِيُّ: إِنَّمَا سُمي الْهَوَى لِأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ، {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣] مِنْهُ بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِ وَقِيلَ عَلَى ما سبق في عمله أَنَّهُ ضَالٌّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، {وَخَتَمَ} [الجاثية: ٢٣] طبع، {عَلَى سَمْعِهِ} [الجاثية: ٢٣] فلم يسمع الهدى، {وَقَلْبِهِ} [الجاثية: ٢٣] فَلَمْ يَعْقِلِ الْهُدَى، {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: ٢٣] قرأ حمزة والكسائي غشاوة بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ، وَالْبَاقُونَ غِشَاوَةً ظُلْمَةً فَهُوَ لَا يُبْصِرُ الْهُدَى، {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣] أَيْ فَمَنْ يَهْدِيهِ بَعْدَ أَنْ أضله الله، {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: ٢٣]

[٢٤] {وَقَالُوا} [الجاثية: ٢٤] يَعْنِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ، {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: ٢٤] أَيْ مَا الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا الدنيا، {نَمُوتُ وَنَحْيَا} [الجاثية: ٢٤] أَيْ يَمُوتُ الْآبَاءُ وَيَحْيَا الْأَبْنَاءُ، وَقَالَ الزُّجَاجُ: يَعْنِي نَمُوتُ وَنَحْيَا، فَالْوَاوُ لِلِاجْتِمَاعِ، {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤] أَيْ وَمَا يُفْنِينَا إِلَّا مرُّ الزَّمَانِ وَطُولُ الْعُمْرِ وَاخْتِلَافُ اللَّيْلِ والنهار. {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ} [الجاثية: ٢٤] أي الذي قالوه، {مِنْ عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٤] أَيْ لَمْ يَقُولُوهُ عَنْ عِلْمٍ، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤]

[٢٥ - ٢٧] {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الجاثية: ٢٥ - ٢٦] أَيْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، {لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية: ٢٦ - ٢٧] يعني الكافرين هُمْ أَصْحَابُ الْأَبَاطِيلِ، يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خُسْرَانُهُمْ بِأَنْ يَصِيرُوا إلى النار.

[قوله تعالى وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى] إِلَى كِتَابِهَا. . .

[٢٨] {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: ٢٨] بَارِكَةً عَلَى الرُّكَبِ وَهِيَ جِلْسَةُ الْمُخَاصِمِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ يَنْتَظِرُ القضاء من الله، قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ هِيَ عَشْرُ سِنِينَ يَخِرُّ النَّاسُ فِيهَا جُثَاةً عَلَى رُكَبِهِمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَادِي رَبَّهُ لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: ٢٨] الذي فيه أعمالها، وَيُقَالُ لَهُمُ، {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٨]

[٢٩] {هَذَا كِتَابُنَا} [الجاثية: ٢٩] يَعْنِي دِيوَانَ الْحَفَظَةِ. {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩] يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِبَيَانٍ شَافٍ، فَكَأَنَّهُ يَنْطِقُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٩] أَيْ نَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ بِنَسْخِ أَعْمَالِكُمْ، أَيْ بِكَتْبِهَا وَإِثْبَاتِهَا عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ تستنسخ أي تأخذ نسخه، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَيْنِ يَرْفَعَانِ عَمَلَ الْإِنْسَانِ فَيُثْبِتُ اللَّهُ مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ فِيهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ، وَيَطْرَحُ مِنْهُ اللَّغْوَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ هَلُمَّ وَاذْهَبْ، وَقِيلَ: الِاسْتِنْسَاخُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ تَنْسَخُ الْمَلَائِكَةُ كل عام ما يكون أعمال من بَنِي آدَمَ، وَالِاسْتِنْسَاخُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ، فَيُنْسَخُ كِتَابٌ من كتاب. وقال الضحاك: تستنسخ أي يثبت. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>