الْمَوْضِعِ سَيِّئَةٌ لَا حَسَنَةَ فِيهِ، إِذِ الْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ مَكْرُوهَةً لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تقديره كُلُّ ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا سَيِّئَةً. وَقَوْلُهُ (مَكْرُوهًا) عَلَى التَّكْرِيرِ لَا عَلَى الصِّفَةِ مَجَازُهُ كُلُّ ذَلِكَ كان سيئه وكان مكروها، راجع إِلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، لِأَنَّ السيئة الذنب وهو مذكر.
[قوله تعالى ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ] . . . .
[٣٩] {ذَلِكَ} [الإسراء: ٣٩] الذي ذكرناه، {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء: ٣٩] وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أو نهى الله عَنْهُ فَهُوَ حِكْمَةٌ. {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء: ٣٩] خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأُمَّةُ، {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ٣٩] مَطْرُودًا مُبْعَدًا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.
[٤٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ} [الإسراء: ٤٠] أَيِ: اخْتَارَكُمْ فَجَعَلَ لَكُمُ الصَّفْوَةَ وَلِنَفْسِهِ مَا لَيْسَ بِصَفْوَةٍ، يَعْنِي اخْتَارَكُمْ، {بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا} [الإسراء: ٤٠] لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: ٤٠] يخاطب مشركي مكة.
[٤١] {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} [الإسراء: ٤١] يعني الصبر وَالْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ والتشديد للتكثير والتكرير، {لِيَذَّكَّرُوا} [الإسراء: ٤١] أَيْ: لِيَتَذَكَّرُوا وَيَتَّعِظُوا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ وَكَذَلِكَ فِي الْفُرْقَانِ. {وَمَا يَزِيدُهُمْ} [الإسراء: ٤١] تصريفنا وتذكيرنا وتكريرنا، {إِلَّا نُفُورًا} [الإسراء: ٤١] ذَهَابًا وَتَبَاعُدًا عَنِ الْحَقِّ.
[٤٢] {قُلْ} [الإسراء: ٤٢] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [الإسراء: ٤٢] قَرَأَ حَفْصٌ وَابْنُ كَثِيرٍ (يَقُولُونَ) بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، {إِذًا لَابْتَغَوْا} [الإسراء: ٤٢] لَطَلَبُوا يَعْنِي الْآلِهَةَ {إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: ٤٢] بِالْمُبَالَغَةِ وَالْقَهْرِ لِيُزِيلُوا مُلْكَهُ، كَفِعْلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَطَلَبُوا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: لعرفوا الله بفضله وَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [الإسراء: ٤٣] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (تَقُولُونَ) بِالتَّاءِ والآخرون بالياء، {عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: ٤٣]
[٤٤] {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: ٤٤] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ (تُسَبِّحُ) بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِلْحَائِلِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّأْنِيثِ، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يعني الحيوانات والناميات. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: تُسَبِّحُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجَمَادَاتُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ سوى العقلاء ما دامت تدل بِلَطِيفِ تَرْكِيبِهَا وَعَجِيبِ هَيْئَتِهَا عَلَى خَالِقِهَا، فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْبِيحِ مِنْهَا. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ السَّلَفِ وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute