[١٤] {وَمَا تَفَرَّقُوا} [الشورى: ١٤] يَعْنِي أَهْلَ الْأَدْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: يعني أهل الْكِتَابَ. {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} [الشورى: ١٤] بِأَنَّ الْفُرْقَةَ ضَلَالَةٌ وَلَكِنَّهُمْ فَعَلُوا ذلك، {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: ١٤] أَيْ لِلْبَغْيِ، قَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي بَغْيًا بَيْنَهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [الشورى: ١٤] فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الشورى: ١٤] وهو القيامة، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: ١٤] بَيْنَ مَنْ آمَنَ وَكَفَرَ، يَعْنِي أَنْزَلَ الْعَذَابَ بِالْمُكَذِّبِينَ فِي الدُّنْيَا، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ} [الشورى: ١٤] يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، {مِنْ بَعْدِهِمْ} [الشورى: ١٤] أي مِنْ بَعْدِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَقِيلَ: مِنْ بَعْدِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي مَكَّةَ. {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى: ١٤] أَيْ مَنَّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.
[١٥] {فَلِذَلِكَ فَادْعُ} [الشورى: ١٥] أَيْ فَإِلَى ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ دَعَوْتُ [إِلَى] فُلَانٍ وَلِفُلَانٍ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَصَّى بِهِ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ التَّوْحِيدِ، {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [الشورى: ١٥] أي اثْبُتْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ، {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى: ١٥] أَيْ آمَنْتُ بِكُتُبِ اللَّهِ كُلِّهَا، {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: ١٥] أَنْ أَعْدِلَ بَيْنَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أُمِرْتُ أَنْ لَا أَحِيفَ عَلَيْكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَقِيلَ: لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْيَاءِ، {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [الشورى: ١٥] يَعْنِي إِلَهُنَا وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَعْمَالُنَا فَكَلٌّ يُجَازَى بِعَمَلِهِ، {لَا حُجَّةَ} [الشورى: ١٥] لا خصومة، {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [الشورى: ١٥] نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ، فَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقِتَالِ وَأُمِرَ بِالدَّعْوَةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يُجِيبُ خُصُومَةٌ، {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} [الشورى: ١٥] فِي الْمَعَادِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: ١٥]
[قوله تعالى وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ] لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ. . .
[١٦] {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} [الشورى: ١٦] يُخَاصِمُونَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ قَالُوا: كِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فَهَذِهِ خُصُومَتُهُمْ. {مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} [الشورى: ١٦] أَيْ اسْتَجَابَ لَهُ النَّاسُ فَأَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي دِينِهِ لِظُهُورِ مُعْجِزَتِهِ، {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [الشورى: ١٦] خُصُومَتُهُمْ بَاطِلَةٌ، {عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: ١٦] فِي الْآخِرَةِ.
[١٧] {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧] قال قتادة ومجاهد ومقاتل: العدل، سُمِّيَ الْعَدْلُ مِيزَانًا لِأَنَّ الْمِيزَانَ آلَةُ الْإِنْصَافِ وَالتَّسْوِيَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ، وَنَهَى عَنِ الْبَخْسِ. {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: ١٧] وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَةً لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غير حقيقي، ومجازه: الوقت قريب. وقالي الْكِسَائِيُّ: إِتْيَانُهَا قَرِيبٌ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: ذَكَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- الساعة ذات يوم وعنده قوم من المشركين، فقالوا تَكْذِيبًا: مَتَى تَكُونُ السَّاعَةُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute