للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [يونس: ٣٧] أَيْ: بَيْنَ يَدَيِ الْقُرْآنِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَقِيلَ: تَصْدِيقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْقُرْآنِ مِنَ الْقِيَامَةِ والبعث، {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} [يونس: ٣٧] تَبْيِينَ مَا فِي الْكِتَابِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ، {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ٣٧]

[٣٨] {أَمْ يَقُولُونَ} [يونس: ٣٨] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: (أَمْ) بِمَعْنَى الواو, أي: ويقولون، {افْتَرَاهُ} [يونس: ٣٨] اخْتَلَقَ مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: ٣٨] شِبْهِ الْقُرْآنِ {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} [يونس: ٣٨] مِمَّنْ تَعْبُدُونَ، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: ٣٨] لِيُعِينُوكُمْ عَلَى ذَلِكَ، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: ٣٨] أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، ثُمَّ قَالَ:

[٣٩] {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: ٣٩] يَعْنِي: الْقُرْآنَ، كَذَّبُوا بِهِ، وَلَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: ٣٩] أَيْ: عَاقِبَةُ مَا وَعَدَ اللَّهُ في القرآن، أنه يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ، يُرِيدُ أنهم لم يعلموا ما يؤول إِلَيْهِ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ. {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس: ٣٩] أَيْ: كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ بِالْقُرْآنِ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: ٣٩] آخِرُ أَمْرِ الْمُشْرِكِينَ بِالْهَلَاكِ.

[٤٠] {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: ٤٠] أَيْ: مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: ٤٠] لِعِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ فِيهِمْ، {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٤٠] الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ.

[٤١] {وَإِنْ كَذَّبُوكَ} [يونس: ٤١] يَا مُحَمَّدُ، {فَقُلْ لِي عَمَلِي} [يونس: ٤١] وجزاؤه، {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} [يونس: ٤١] وَجَزَاؤُهُ، {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: ٤١] هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [الْقَصَصِ: ٥٥] {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الْكَافِرُونَ: ٦] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْجِهَادِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْفِيقَ للإيمان به لا بغيره.

[٤٢] فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٢] بِأَسْمَاعِهِمُ الظَّاهِرَةِ فَلَا يَنْفَعُهُمْ، {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} [يونس: ٤٢] يريد صمم الْقَلْبِ {وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: ٤٢]

[قوله تعالى وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي] الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ. . . .

[٤٣] {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٣] بِأَبْصَارِهِمُ الظَّاهِرَةِ، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} [يونس: ٤٣] يُرِيدُ عَمَى الْقَلْبِ، {وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} [يونس: ٤٣] وَهَذَا تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ مَنْ سَلَبْتُهُ السَّمْعَ وَلَا أَنْ تَهْدِيَ مَنْ سَلَبْتُهُ الْبَصَرَ وَلَا أَنْ تُوَفِّقَ لِلْإِيمَانِ من حكمت عليه ألا يُؤْمِنُ.

[٤٤] {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: ٤٤] لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مُتَفَضِّلٌ عَادِلٌ، {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: ٤٤] بالكفر والمعصية، قرأ حمزة والكسائي: (ولكن الناس) بتخفيف نون (لكن) ورفع (الناس) ، وقرأ الباقون (ولكن الناس) بتشديد نون (لكن) ونصب (الناس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>