كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى وَالزَّبُورُ عَلَى داود، قال الله سبحانه وتعالى. {كَذَلِكَ} [الفرقان: ٣٢] فعلنا، {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: ٣٢] يعني أَنْزَلْنَاهُ مُتَفَرِّقًا لِيَقْوَى بِهِ قَلْبُكَ فَتَعِيهِ وَتَحْفَظَهُ فَإِنَّ الْكُتُبَ أُنْزِلَتْ على الأنبياء يكتبون ويقرؤون، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ، وَلِأَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَمِنْهُ مَا هُوَ جَوَابٌ لِمَنْ سَأَلَ عَنْ أُمُورٍ فَفَرَّقْنَاهُ لِيَكُونَ أَوْعَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْسَرَ عَلَى الْعَامِلِ به. {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: ٣٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيَّنَّاهُ بَيَانًا، والترتيل التبيين في ترتل وَتَثَبُّتٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بعض. وقال النخعي والحسن: فَرَّقْنَاهُ تَفْرِيقًا آيَةً بَعْدَ آيَةٍ.
[قوله تعالى وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ] وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا. . .
[٣٣] {وَلَا يَأْتُونَكَ} [الفرقان: ٣٣] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، {بِمَثَلٍ} [الفرقان: ٣٣] يَضْرِبُونَهُ فِي إِبْطَالِ أَمْرِكَ {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الفرقان: ٣٣] يَعْنِي بِمَا تَرُدُّ بِهِ مَا جاؤوا بِهِ مِنَ الْمَثَلِ وَتُبْطِلُهُ، فَسُمِّيَ ما يردون مِنَ الشُّبَهِ مَثَلًا، وَسُمِّي مَا يَدْفَعُ بِهِ الشُّبَهَ حَقًّا، {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: ٣٣] يعني بيانا وتفصيلا، والتفسير تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ كَشْفُ مَا قَدْ غُطِّيَ، ثُمَّ ذَكَرَ ما لهؤلاء المشركين فقال:
[٣٤] {الَّذِينَ} [الفرقان: ٣٤] أَيْ: هُمُ الَّذِينَ، {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الفرقان: ٣٤] فَيُسَاقُونَ وَيُجَرُّونَ، {إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} [الفرقان: ٣٤] يعني مَكَانَةً وَمَنْزِلَةً، وَيُقَالُ: مَنْزِلًا وَمَصِيرًا {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٣٤] أَخْطَأُ طَرِيقًا.
[٣٥] {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: ٣٥] مُعِيَنًا وَظَهِيرًا.
[٣٦] {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الفرقان: ٣٦] يعني القبط، {فَدَمَّرْنَاهُمْ} [الفرقان: ٣٦] فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَكَذَّبُوهُمَا فَدَمَّرْنَاهُمْ، {تَدْمِيرًا} [الفرقان: ٣٦] أَهْلَكْنَاهُمْ إِهْلَاكًا. ٣٧,
[٣٨] {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} [الفرقان: ٣٧] أَيْ: الرَّسُولَ، وَمَنْ كَذَبَ رَسُولًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: ٣٧] يَعْنِي لِمَنْ بَعْدَهُمْ عِبْرَةٌ، {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} [الفرقان: ٣٧] في الآخرة {عَذَابًا أَلِيمًا} [الفرقان: ٣٧] سِوَى مَا حَلَّ بِهِ مِنْ عاجل العذاب. {وَعَادًا وَثَمُودَ} [الفرقان: ٣٨] يعني وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُودَ، {وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان: ٣٨] اخْتَلَفُوا فِيهِمْ، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانُوا أَهْلَ بِئْرٍ قُعُودًا عَلَيْهَا وَأَصْحَابَ مَوَاشِي يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَوَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ، وَفِي أَذَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فبينما هم حوالي البئر في منازلهم انهارت بهم البئر فخسف الله بِهِمْ وَبِدِيَارِهِمْ وَرِبَاعِهِمْ، فَهَلَكُوا جَمِيعًا، والرس: الْبِئْرُ وَكُلُّ رَكِيَّةٍ لَمْ تُطْوَ بِالْحِجَارَةِ وَالْآجُرِّ فَهُوَ رَسٌّ. وَقَالَ قتادة والكلبي: الرس بئر بأرض الْيَمَامَةِ قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ بقية ثمود وقوم صَالِحٍ، وَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute